اسعار واسواق

سباق الذكاء الاصطناعي.. أوروبا تتأخر عن الركب العالمي


في عيد الاستقلال الأمريكي، الموافق 4 يوليو/تموز عام 1962، أعلن الرئيس جون كينيدي، إن الولايات المتحدة تنظر إلى أوروبا القوية والموحدة، كشريك وليس كمنافس.

وبعد أكثر من ستة عقود، ومع تزايد التباين في وجهات النظر حول قضايا مثل التجارة والأمن وغيرها من التحديات الجيوسياسية، تواجه هذه العلاقة عبر الأطلسي ضغوطًا غير مسبوقة، ولا يُستثنى من ذلك سباق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي قمة عمل الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في باريس في فبراير/شباط مطلع عام 2025 الجاري، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن خطة جريئة لجعل الاتحاد الأوروبي قائدًا عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مُعلنةً أن تحقيق القيادة العالمية بهذا المجال لا تزال متاحة، ومع ذلك، لا يزال أمام أوروبا طريق طويل لتقطعه.

طموحات عالمية واستثمار غير متكافئ

ولا تزال الولايات المتحدة مركز ابتكار الذكاء الاصطناعي، وهي موطن لعمالقة التكنولوجيا مثل غوغل، وميتا، ومايكروسوفت، وإنفيديا.

وبعد عودته البيت الأبيض مستهلاً ولايته الثانية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة استثمارية بقيمة 500 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي، وألغى سريعًا الأمر التنفيذي للرئيس السابق بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي الآمن.

وكان مشروع قانونه الذي وصفه بالـ”الجميل الكبير” قد تضمن في الأصل حظرًا مقترحًا على لوائح الذكاء الاصطناعي على مستوى الولايات للسنوات العشر القادمة، إلا أن مجلس الشيوخ صوّت بالإجماع على رفض هذا الإجراء.

كما أعلنت المملكة المتحدة، عن طموحها لريادة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، تحت شعار جريء “صانع الذكاء الاصطناعي، لا متلقيه”، متبنية نهجا تنظيميًا داعمًا للابتكار وبسيطًا، كجزء من خطة عمل فرص الذكاء الاصطناعي التي تبلغ قيمتها ملياري جنيه إسترليني.

وفي الوقت نفسه، تهدف الصين إلى أن تصبح الرائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مع التركيز على الاستقلال الرقمي وكفاءة الحوسبة واللوائح التنظيمية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.

وتتوقع أبحاث المنتدى الاقتصادي العالمي أن تنمو صناعة الذكاء الاصطناعي والقطاعات ذات الصلة في البلاد إلى سوق تُقدر قيمته بـ 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2030.

كما تُعد الصين موطنًا لـ47% من أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم، وتُقدم برامج مدعومة حكوميًا لتشجيع الطلاب على متابعة التعليم المتعلق بالذكاء الاصطناعي.

أيرلندا نموذج أوروبي يدعو للتفاؤل

وبحسب موقع “يورو ستارت أبس”، ليست الصورة مظلمة بالكامل بالنسبة لقارة أوروبا فيما يخص اللحقا بالركب في سباق الذكاء الاصطناعي.

ويدل على ذلك نموذج المشروع الأيرلندي الذي يدعو للتفاؤل.

وقصة أيرلندا في مجال الذكاء الاصطناعي تعتبر مثيرة للإعجاب، بفضل مواهبها التكنولوجية المتطورة، وحضورها القوي متعدد الجنسيات، وامتدادها العالمي القوي.

فمن المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في أيرلندا إلى 1.18 مليار يورو (1.2 مليار دولار) هذا العام.

وبحلول عام 2035، يمكن أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 250 مليار يورو (293.9 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي الأيرلندي، وربما 60 مليار يورو إضافية (70.6 مليار دولار)، وذلك رهناً بكيفية استفادة الحكومة والقطاع الخاص والشركات من إمكاناته.

ولدعم هذه الفرصة، أنشأت الحكومة الأيرلندية مجلساً استشارياً للذكاء الاصطناعي لتقديم إرشادات مستقلة بشأن سياسات الذكاء الاصطناعي.

في الوقت نفسه، أعلن الاتحاد الأوروبي أن هدفه هو تعزيز ابتكارات الذكاء الاصطناعي، وهو ما تدعمه لوائح تنظيمية صارمة.

ويُعد قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي أول إطار قانوني شامل في العالم لتنظيم الذكاء الاصطناعي بما يخدم المصلحة العامة، ويضع الاتحاد الأوروبي في مكانة رائدة في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية.

وكجزء من خطة عمل القارة للذكاء الاصطناعي، تعهد الاتحاد الأوروبي ببناء 13 مصنعاً للذكاء الاصطناعي، و5 مصانع عملاقة، واستثمار 200 مليار يورو (235.2 مليار دولار) لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء القارة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من طموحه الكبير، لا يزال الاتحاد الأوروبي متأخرًا، لأن 17 من أكبر 20 شركة ذكاء اصطناعي أمريكية، و70% من النماذج التأسيسية تنشأ في الولايات المتحدة، بينما 61% من التمويل العالمي يتدفق عبر الشركات الأمريكية و6% فقط إلى نظيراتها الأوروبية في هذا القطاع.

كما تمثل الشركات الأوروبية 7% فقط من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير في مجال البرمجيات، مقارنة بـ 71% في الولايات المتحدة و15% في الصين.

ولا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقود المسيرة في مجال الذكاء الاصطناعي إذا كان إنفاق منافسيه يفوقه بنسبة عشرة إلى واحد، فزيادة الاستثمار أمر بالغ الأهمية للاستفادة من ابتكارات الذكاء الاصطناعي المحلية.

وبين عام 2018 والربع الثالث من عام 2023، تم استثمار ما يقرب من 32.5 مليار يورو (38.2 مليار دولار) في شركات الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بأكثر من 120 مليار يورو (141.1 مليار دولار) في شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية.

وقد أدت الاستثمارات الأخيرة في شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية (مثل OpenAI وAnthropic) إلى توسيع الفجوة بين حصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة النسبية من الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي.

ما تحتاجه أوروبا لتحقيق الريادة بالذكاء الاصطناعي؟

أولا، تحسين البنية التحتية الرقمية: يجب على الاتحاد الأوروبي العمل على تحقيق الاستقلال الرقمي وتحسين البنية التحتية.

وتُسيطر OVHcloud، أكبر مزود للخدمات السحابية في أوروبا، على 2% فقط من السوق، ويُستورد أكثر من 80% من البنية التحتية الرقمية الأوروبية من خارج الاتحاد، ويُشكل هذا الاعتماد الكبير على شركات التكنولوجيا غير الأوروبية العديد من المخاوف الأمنية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي.

ثانيا، إطلاق المزيد من رأس المال للتوسع: لكي تتوسع شركات الذكاء الاصطناعي وتنمو، يجب على الاتحاد الأوروبي توسيع رأس المال الاستثماري من خلال تعميق اتحاد الادخار والاستثمار (SIU) ومواصلة تعزيز نظام بيئي رقمي مستقل يُمكّن الشركات الناشئة الأوروبية من النمو محليًا.

وسواءً في دبلن أو باريس، سيكون ذلك أفضل بدلًا من الهروب إلى وادي السيليكون أو شنتشن، ومثلت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في أوروبا أكثر من ثلث نشاط الدمج والاستحواذ العالمي في عام 2024، حيث استحوذت عليها أو نقلتها شركات أمريكية في الغالب.

ثالثا، استقطاب أفضل المواهب والاحتفاظ بها: في حين أن مبادرات الاتحاد الأوروبي، مثل “أفق أوروبا” و”أوروبا الرقمية”، مع تخصيصات محددة لأبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار، تُعدّ خطوات إيجابية إلى الأمام، إلا أنه يجب على أوروبا أيضًا استقطاب المواهب العالمية والاحتفاظ بها.

ويمكن للاتحاد الأوروبي القيام بذلك من خلال تبسيط إجراءات الحصول على التأشيرات وإنشاء زمالات مرموقة على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تعزيز التعاون الأكاديمي والصناعي، على غرار النماذج الأمريكية، مع أمثلة مثل شراكات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وغوغل، وستكون مبادرات كهذه أساسية للحفاظ على ألمع العقول الأوروبية في أوروبا.

رابعا، سد فجوة المهارات الرقمية: يُعدّ التعليم أمرًا بالغ الأهمية لنجاح الاتحاد الأوروبي كقائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي.

وحاليًا، يفتقر 44% من البالغين إلى المهارات الرقمية الأساسية في أوروبا، وستكون معالجة هذه الفجوة في المهارات والاستثمار في التعليم المتعلق بالذكاء الاصطناعي أمرًا حيويًا لمستقبل الاقتصاد الأوروبي.

ووفقًا لمؤشر وظائف الذكاء الاصطناعي العالمي لعام 2025 لشركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، فإن الوظائف التي تتطلب مهارات الذكاء الاصطناعي تحظى الآن بعلاوة أجور بنسبة 56%، مما يؤكد على الحاجة الملحة لإعداد القوى العاملة في أوروبا لمستقبل قائم على الذكاء الاصطناعي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى