اسعار واسواق

تقارب لولا وترامب.. لقاء عابر يتحول إلى محطة فارقة


لطالما بدا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا منسجماً مع أجواء الأمم المتحدة، فخبرته في التعامل مع المنظمة، منذ ولايته الأولى بين عامي 2003 و2011، ثم عودته إلى الحكم عام 2023، منحته مكانة بارزة كمدافع صلب عن الحوكمة متعددة الأطراف.

فبالنسبة إليه، تمثل الأمم المتحدة منصة تمنح ما يُعرف بـ “الدول النامية” فرصة ممارسة نفوذها والمشاركة الفعلية في صياغة القرارات العالمية.

وقد عبّر لولا في أول خطاب له أمام الجمعية العامة قبل أكثر من عقدين عن هذه الرؤية قائلاً: “لتكن كلماتي الأولى أمام هذا البرلمان العالمي تعبيراً عن الثقة بقدرة الإنسان على تجاوز التحديات والمضي نحو أشكال أرقى من الشراكة بين الدول وفي داخلها.”

لكن ما يجمع لولا بأشد منتقدي المنظمة، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو اقتناعهما المشترك بأن الأمم المتحدة لم ترتقِ إلى مستوى التحديات التاريخية الراهنة.

هذا الإدراك المشترك انعكس خلال لقاء عابر وغير مخطط له بين الزعيمين في أروقة الجمعية العامة هذا الأسبوع، لقاء وُصف بأنه قد يفتح الباب أمام انفراجة في العلاقات المتوترة بين واشنطن وبرازيليا.

كلمات متعارضة تحت سقف واحد

وفق التقاليد، يفتتح الرئيس البرازيلي أعمال الجمعية العامة، يليه الرئيس الأمريكي. وفي خطابه، حذر لولا من تقويض الديمقراطية وتعرض التعددية لضغوط هائلة بفعل تنامي الاستبداد وتراجع القانون الدولي. وقدّمت البرازيل نموذجاً للصمود الديمقراطي، مستشهدة بإدانة سلفه جايير بولسونارو لمحاولته تقويض نتائج انتخابات 2022.

كما كرر دعوته إلى إصلاح شامل للأمم المتحدة يمنح دول الجنوب صوتاً أكبر في إدارة النظام الدولي وهو مطلب حظي بتصفيق واسع. وأكد أن الديمقراطية يجب ألا تبقى مجرد آليات إجرائية، بل وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية على المستويين الوطني والعالمي.

وفي نقد مبطن لخصومه المحليين وأنصار بولسونارو، وبينهم ترامب، اتهم لولا “اليمين المتطرف” في بلاده بتمهيد الطريق أمام التدخلات الأجنبية. وكان ترامب خلال رئاسته قد لجأ إلى “قانون ماغنيتسكي العالمي” لفرض عقوبات على قضاة ومسؤولين برازيليين، وهو ما اعتُبر تدخلاً غير مسبوق في الشأن الداخلي وأدى إلى تدهور العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوياتها.

على الجانب الآخر، جاء خطاب ترامب مختلفاً جذرياً، إذ وصف الأمم المتحدة بأنها “فشل عالمي”، وانتقد سياسات الهجرة الأوروبية باعتبارها “تدمّر بلدانهم”، واعتبر جهود مكافحة التغير المناخي “أكبر خدعة في التاريخ”.

تحالفات متعددة

ويرى بعض المراقبين أن لولا جزء من تحالف مناهض لأمريكا يتجلى في انخراطه في مجموعة “بريكس” (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) التي توسعت مؤخراً بانضمام خمس دول جديدة. لكن مقارنة خطابيهما في الجمعية العامة تطرح سؤالاً عكسياً: أيّهما يمثل التهديد الأكبر للنظام الدولي القائم؟

فلولا يدعو منذ سنوات إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب يتيح لمجموعة واسعة من الدول، خصوصاً من الجنوب العالمي، المشاركة في تقوية المؤسسات الدولية التي صاغتها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية.

وخلال ولايته الأولى، قاد مبادرات لإعفاء الدول الفقيرة من الديون، ودفع باتجاه التزامات مناخية جريئة، وساهم في اتفاق نووي مع إيران عام 2010 قبل أن تتراجع عنه الولايات المتحدة. واليوم يواصل المسار ذاته عبر تكتلات الجنوب بدءا من قمة الأمازون البيئية، إلى مبادرات مكافحة الجوع، وصولاً إلى جهود الوساطة في أزمات أوكرانيا وغزة.

ترامب والرئيس البرازيلي

الولايات المتحدة وتراجع دورها الأممي

المفارقة أن عجز الأمم المتحدة عن تحقيق أهدافها يعود في جزء كبير منه إلى ممارسات الإدارات الأمريكية ذاتها. فقد تجاوز جورج بوش الابن مجلس الأمن لغزو العراق عام 2003، ما قوض مصداقية المنظمة كحامٍ للقانون الدولي.

أما باراك أوباما، فعلى الرغم من خطابه المؤيد للتعددية، اعتمد على الضربات بالطائرات المسيّرة دون تفويض أممي. ثم جاءت إدارة ترامب لتضيف مزيداً من الأعباء، إذ قلصت التمويل الأمريكي للمنظمة، ما اضطرها إلى خفض عملياتها الإنسانية وحفظ السلام في مناطق ملتهبة مثل غزة والسودان ومالي والكونغو.

هذا التراجع الأمريكي أفسح المجال لتكتلات بديلة مثل “بريكس” لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى