اسعار واسواق

مالي ومبادرة أكرا.. ديناميكية الجيران لتعزيز «تحالف الساحل»


واقع سياسي جديد في مالي يستند على استثمار مبادرة غانا للحوار مع بوركينا فاسو ببراغماتية وحس استراتيجي يصب في تعزيز «تحالف الساحل».

ومبادرة أكرا تعد أول حوار رسمي عقد بالعاصمة الغانية في أبريل/نيسان 2025، ضمن ما سمي بـ”حوار سياسي حول تحالف دول الساحل”.

والمبادرة جاءت بعد إعلان مالي وبوركينا والنيجر الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهو ما جعل غانا – بصفتها عضوًا مؤثرًا في المنظمة– تتحرك بسرعة لتفادي عزلة كاملة لهذه الدول وبحث صيغ تعاون جديدة.

ويعتبر خبراء في مالي أن المبادرة التي أطلقها غانا للحوار مع بوركينا فاسو، أحد أبرز شركاء باماكو داخل تحالف دول الساحل، أوجدت واقعًا جديدًا تسعى باماكو بقيادة الجنرال آسمي غويتا إلى استثماره ببراغماتية وحس استراتيجي.

ويرى هؤلاء، في أحاديث منفصلة لـ«العين الإخبارية»، أن هذه التطورات تمثل فرصة لتعزيز مواقع مالي الإقليمية ليس عبر المفاوضات المباشرة، بل من خلال استغلال التحولات في العلاقات الإقليمية بما ينسجم مع سياستها القائمة على تعزيز السيادة الوطنية.

الأمن.. من التنسيق الثنائي إلى مصالح التحالف

يقول ممادو سافادوغو، المحلل السياسي البوركيني المتخصص في دراسات الساحل والأمن الحدودي، إن ما تفعله مالي حاليًا من استغلال للديناميكية الإقليمية هو خطوة ذكية ومتكيفة مع الواقع السياسي في الساحل. 

ويوضح سافادوغو، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن فتح غانا لحوار مع بوركينا فاسو، والأخيرة شريك تقليدي لمالي، يمثل فرصة لباماكو لتعزيز تحالفاتها وتوسيع فضاء المناورة دون الدخول في مواجهات مباشرة. 

وبالنسبة له، فإن “باماكو تستفيد من ضعف التنسيق التاريخي بين الدول المجاورة، وبإمكانها أن تلعب دور الموازن بين الأطراف، مما يقوي من موقعها في تحالف دول الساحل” الذي يضم النيجر إلى جانب مالي وبوركينا فاسو.

وحذر سافادوغو من أن هذه الاستراتيجية حساسة جدًا؛ فالأخطاء في التوقيت أو الانحياز المفرط لدولة على حساب أخرى قد تؤدي إلى تآكل الثقة داخل التحالف، أو حتى نحو صراعات غير معلنة على النفوذ بين البلدان الأقرب في التحالف.

الاقتصاد.. الممرات اللوجستية المشتركة للتحالف

وفي تصريحات سابقة، حدد رئيس مالي آسمي غويتا بوضوح أن الاستقلال الاقتصادي يمثل أولوية مطلقة، أبرزها أن تحسين البنية التحتية للنقل بين بوركينا فاسو وغانا يخدم مصالح التحالف بأكمله، كما أن مالي والنيجر تكسبان منفذًا محتملاً إلى طرق تجارية بديلة عبر الموانئ الغانية.

ووفقاً لسافادوغو، فإن هذا يتوافق مع الهدف الاستراتيجي لتحالف دول الساحل المتمثل في بناء شبكة لوجستية متنوعة ومستقلة عن أنماط التعاون التقليدية السابقة.

من جهتها، ترى الباحثة السياسية من مالي أمالا ديارا، أن هذا التحالف يُظهر أنه ليس فقط أمني، بل أداة للدبلوماسية الاستراتيجية.

وتقول ديارا وهي مختصة في العلاقات الدولية وحقوق السيادة، لـ”العين الإخبارية”، إن الاستفادة المدروسة من المبادرات مثل تلك التي أطلقتها غانا تعكس فهمًا عميقًا من السلطات المالية لأهمية بناء شبكات تعاون لا تخضع بالكامل للاعتبارات التقليدية للنفوذ أو التحالفات الخارجية.

ولديارا اهتمام خاص بمسائل السيادة الوطنية والتحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا حيث أوضحت أن تعزيز السيادة في هذا السياق لا يعني الانغلاق، بل يعني القدرة على اختيار شركاء مرنين، والتفاوض من موقع قوة. 

وأشارت إلى أن المستقبل يعتمد على مدى قدرة مالي ورفاقها على تحويل هذه الديناميكية إلى مؤسسات عمل مشتركة، لوجستية وأمنية وسياسية، تملك قدرًا من الاستمرارية والموثوقية بين الدول الأعضاء.

كما اعتبرت أن استقرار الحدود بين بوركينا فاسو وغانا ينعكس مباشرة على أمن فضاء دول تحالف الساحل بأكمله، لافتة إلى أن نجاح مفاوضات أكرا يفتح أمام مالي إمكانية تنسيق ثلاثي مع غانا عبر صيغة “دول تحالف الساحل +”.

وبحسب الباحثة، فإن هذا النهج الذي يجمع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يعزز قدرة التحالف التفاوضية ويضع الأساس لموقف موحد في مواجهة التهديدات القادمة من الجنوب.

مبادرة أكرا

تعتبر آلية أمنية تعاونية ترتكز على ثلاثة محاور وهي تبادل المعلومات، تدريب أفراد الأمن والمخابرات؛ والقيام بعمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود للحفاظ على أمنها.

وتعقد الاجتماعات على مستويين، رؤساء أجهزة الأمن والمخابرات؛ ووزراء الحكومة المكلفين بالأمن، فيما تُعقد الاجتماعات الرئيسية على أساس ربع سنوى وتليها اجتماعات وزارية.

ومبادرة غانا هي الخطوة التي اتخذتها أكرا لفتح حوار مباشر مع بوركينا فاسو، أحد الشركاء الرئيسيين لمالي داخل تحالف دول الساحل.

والهدف الأساسي للمبادرة: تهدئة الوضع على الحدود المشتركة بين غانا وبوركينا فاسو، والبحث عن صيغ للتعاون الأمني والسياسي لمواجهة تهديدات العنف المسلح والإرهاب العابر للحدود.

أما عن أهميتها لمالي فتكمن في منحها فرصة للاستفادة من هذا التقارب عبر آلية ثلاثية “دول تحالف الساحل +” تضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر مع غانا، مما يعزز موقف التحالف في أي مفاوضات إقليمية.

كما تفتح آفاقًا اقتصادية جديدة لمالي (ومعها النيجر) للوصول إلى الموانئ الغانية كممرات تجارية بديلة، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على دول الساحل الأطلسي الأخرى.

أما سياسيًا، فإن المبادرة تعزز منطق العمل الجماعي بدلًا من التفاوض الفردي لكل دولة، وهو ما يمنح تحالف دول الساحل وزناً أكبر أمام الدول الساحلية الأخرى.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى