«جدار المسيرات» في أوروبا.. الفكرة وأساليب العمل والأهداف

اختراقات متكررة للمجال الجوي الأوروبي، وصلت حد تعطيل الملاحة المدنية في الدنمارك، دفعت جهود البحث عن حماية من الطائرات بدون طيار.
هذا السياق خيم على القمة الأوروبية غير الرسمية التي جرت أمس، في كوبنهاغن، وكان ملف الدفاع، الأبرز على طاولتها، بما يشمل مشروع “جدار الطائرات بدون طيار” الذي لاقى دعما واسعا من القادة الأوروبيين.
وخلال الفترة الماضية، عمل الاتحاد الأوروبي على وضع ”خارطة طريق للاستعداد الدفاعي“، تشمل أربعة مشاريع دفاعية، بما في ذلك جدار الطائرات بدون طيار.
ولن يكون جدار الطائرات بدون طيار، عبارة عن جدار مادي، بل شبكة متعددة الطبقات من أنظمة الكشف والاعتراض، تعتمد على قدرات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الطائرات بدون طيار.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية صاغت الفكرة بشكل أكثر وضوحا، وقالت “العديد من الدول لديها بالفعل تقنيات لمكافحة الطائرات بدون طيار أو تعمل على تطويرها. والهدف في هذه الحالة هو إنشاء درع مشترك لتحسين الكشف عن الطائرات بدون طيار وتعقبها واعتراضها عند دخولها المجال الجوي فوق الاتحاد الأوروبي أو أحد حلفائه المقربين”.
ومن المقرر أن يٌبنى المشروع على الخبرة المكتسبة في أوكرانيا، التي سبق لها تقديم المشورة لحلفائها الأوروبيين في هذا الملف، فضلا عن تعزيز تبادل المعلومات والتنسيق الفعال بين الدول الأوروبية، لتعزيز الاستجابة السريعة لأي تهديد.
هنا، قال جوستيناس لينجيفيسيوس، أخصائي أمن التكنولوجيا الحديثة في جامعة فيلنيوس. لقناة “فرانس 24″، “من المرجح أن يتطلب منع الطائرات بدون طيار المعادية من دخول المجال الجوي للاتحاد الأوروبي نظامًا متعدد الطبقات من أجهزة الاستشعار والكشف، وستكون أجهزة الرادار مجرد جزء واحد من هذا النظام”.
لماذا الآن؟
وخرجت هذه الفكرة للسطح، بعد أن أبلغت عدة دول أوروبية عن توغلات في مجالها الجوي، ووجهت معظمها أصابع الاتهام إلى روسيا. فيما ينفي الكرملين تورطه في ذلك.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، يوم الثلاثاء: ”يجب على أوروبا أن تقدم ردًا قويًا وموحدًا على توغلات الطائرات المسيرة الروسية على حدودنا“.
وأضافت: ”ولهذا السبب سنقترح إجراءات فورية لإنشاء جدار من الطائرات المسيرة كجزء من مراقبة الجناح الشرقي. يجب أن نتحرك معًا إلى الأمام مع أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي“.
ولم يكشف القادة الأوروبيون سوى القليل من المعلومات حول الشكل الفعلي لهذه المبادرة أو المدة التي قد يستغرقها تنفيذها.
فيما حذر وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، في وقت سابق من هذا الأسبوع، من أن تطوير جدار من الطائرات بدون طيار قد يستغرق ما لا يقل عن ثلاث أو أربع سنوات.
لكن رئيسة وزراء لاتفيا، إيفيكا سيلينا، قالت للصحفيين في كوبنهاغن يوم الأربعاء، إن الأمر قد يستغرق وقتًا أقل بكثير من ذلك، مضيفة: ”لا نحتاج إلى ثلاث سنوات، وأعتقد أننا يمكننا القيام بذلك في وقت أقصر بكثير“.
وفي حين أن جدار الطائرات بدون طيار يمكن أن يساعد بالفعل في سد ”الثغرة الكبيرة“ الموجودة حاليًا في الدفاع الجوي لحلف شمال الأطلسي “الناتو” بشرق أوروبا، فإن مفهومه ليس جديدًا بالضرورة، وفق رافائيل لوس، وهو باحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وأشار لوس إلى أن مشروعًا يسمى مبادرة الدرع الجوي الأوروبي (ESSI)، يهدف إلى تعزيز الدفاع الجوي والصاروخي الأوروبي، وقيد الإعداد منذ سنوات.
ووفق ما طالعته “العين الإخبارية”، فإن مبادرة “درع السماء الأوروبية”، التي أطلقتها برلين في خريف عام 2022، تهدف إلى سد فجوات القدرات الأوروبية في جميع قطاعات الدفاع الجوي والصاروخي، بدءاً من مكافحة الطائرات من دون طيار وحتى اعتراض الصواريخ البالستية، من خلال استراتيجية الشراء الجماعي من الأنظمة الجاهزة.
سد ثغرة
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك عدد من الطرق التي يمكن أن يساعد بها جدار الطائرات بدون طيار، دول حلف “الناتو” والاتحاد الأوروبي، في صد واحد من الأكثر الأسلحة تطورا في الحروب الحديثة.
ومن خلال توسيع شبكة أجهزة الاستشعار على طول الجانب الشرقي لحلف “الناتو”، وفق الخطة المبدئية لجدار المسيرات، ستتمكن الدول من تحديد وتتبع الاختراقات المحتملة للطائرات بدون طيار بشكل أكثر فعالية.
لوس قال لشبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية: ”في السابق، كان الدفاع الجوي لحلف الناتو يواجه تهديدات جوية سريعة الحركة، صواريخ الطائرات، والصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والصواريخ الفائقة السرعة… ولكن ليس بشكل خاص ضد الطائرات بدون طيار“، مضيفا: ”هذا يتغير نتيجة لما نراه في أوكرانيا“.
وأضاف لوس أن أوكرانيا هي ”الدولة الأكثر خبرة في أوروبا فيما يتعلق بحرب الطائرات بدون طيار ومكافحة الطائرات بدون طيار“، مضيفا: “الاستفادة من خبرة المستشارين المشاركين في هذا النوع من الصراع يمكن أن تساعد بقية القارة على فهم أفضل طريقة لمكافحة الطائرات بدون طيار الروسية”:
كما يمكن في إطار المبادرة، تطوير طرق تركز على اعتراض الطائرات بدون طيار بشكل أكبر، للابتعاد عن استخدام أنظمة دفاع باهظة الثمن مثل “باتريوت”.
ويتعلق الأمر هنا، وفق تقارير صحفية، بدمج أساليب حرب إلكترونية أرخص، بما في ذلك التشويش أو تعطيل الإشارات الإلكترونية التي تعتمد عليها الطائرات بدون طيار للعمل، ما يوفر أموال باهظة تتكلفها صواريخ الدفاع الجوي.
برونو أوليفيرا مارتينز، من معهد أوسلو لأبحاث السلام تحدث عن خيارات التعاطي المحتملة مع التهديد في إطار الجدار، وقال لـ”فرانس 24″، ”للتعرف على الطائرات بدون طيار، هناك أجهزة تعالج الإشارات الصوتية أو تراقب الترددات الإلكترونية المختلفة“. يمكن للطائرات بدون طيار أن تصدر أصواتًا محددة ويتم التحكم فيها عن بُعد على ترددات راديو معينة”.
قبل أن يضيف “وبمجرد اكتشاف هذه الأصوات، يمكن تحييد الطائرات بدون طيار. وهناك عدة خيارات: الطريقة الأكثر شيوعًا هي تشويش أجهزة استشعار الطائرات بدون طيار عن طريق إغراقها بفيض من الإشارات اللاسلكية. ومن الممكن أيضًا السيطرة عليها عن طريق ’اختراق‘ أنظمتها، وكذلك يمكن تدمير هذه الطائرات بدون طيار إما بمقذوفات مثل الصواريخ الصغيرة، أو عن طريق إرسال طائرات بدون طيار أخرى لتصطدم بها“.
خطر كبير
وتمثل الطائرات بدون طيار، تهديدا غير متناسب للدول، نظرًا لصغر حجمها ورخص ثمنها وقدرتها على إحداث أضرار جسيمة.
وبالإضافة إلى قدرتها على إحداث أضرار مادية، يمكن استخدام الطائرات بدون طيار للمراقبة، كما أنها تنطوي على خطر الاصطدام بالطائرات المدنية أثناء تحليقها في السماء.
علاوة على ذلك، حتى لو تم اعتراض طائرة بدون طيار أثناء تحليقها فوق المجال الجوي لدولة ما، فإنها تسبب ضررا أيضا.
هنا، أوضح لوس: “إذا اعترضتها فوق مدينة، فقد تنقذ الهدف ذي القيمة العالية الذي تحاول حمايته، مثل البرلمان أو المستشفى أو محطة الطاقة أو ما شابه ذلك. ولكن مع ذلك، فإن الحطام سيسقط في مكان ما وقد يتسبب في أضرار للأشخاص والممتلكات”.
لذلك، قال الأمين العام لحلف “الناتو”، مارك روته، يوم الثلاثاء، إن جدار الطائرات بدون طيار هو ”فكرة ممتازة“ و”مناسبة وضرورية“.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز