إيرادات مليونية وتجنيد بالآلاف.. كيف بنت «الشباب» الصومالية إمبراطوريتها؟

كشف تقييم جديد لمكافحة الإرهاب عن تحول حركة «الشباب» في الصومال من مجرد مليشيات مسلحة إلى قوة مالية وعسكرية كبيرة، تدير شبكات ابتزاز وضرائب قسرية وتجارة غير مشروعة توفر لها نحو 200 مليون دولار سنوياً.
هذه الإيرادات مكنتها من تجنيد عناصر حتى بلغ قوامها 18 ألف مسلح، وإطلاق حملات عسكرية واسعة واستعادة المدن الاستراتيجية رغم الضغوط العسكرية والعقوبات الدولية، وفق تقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، تحت عنوان “الحالة العالمية للقاعدة بعد 24 عاما من أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001”.
شبكة مالية متطورة
ويشير التقرير إلى أن القوة الحقيقية لحركة الشباب تكمن في شبكتها المالية المتطورة والراسخة ضمن النسيج الاقتصادي الصومالي. وتأتي نسبة كبيرة من هذه الأموال من نظام ضريبي قسري ومواز يتفوق في كفاءته وانتظامه على النظام الحكومي الرسمي.
فمن خلال الابتزاز والضرائب التجارية والزكاة المزعومة، تُجبر الحركة التجار والمزارعين وشركات النقل على دفع رسوم تُصور على أنها “زكاة وضرائب تجارية” ما يعكس قدرتها على العمل كحكومة ظل في مناطق سيطرتها ويضع الصوماليين العاديين في مأزق الاختيار بين هشاشة الدولة وفاعلية المتطرفين، وفق التقرير.
ويوضح أن الشركات تستجيب لهذه المطالب “إما خوفا من العقاب أو لأن الدفع لحركة الشباب غالبا ما يكون أكثر قابلية للتنبؤ وموثوقية من التعامل مع السلطات الرسمية”.
هذا الانضباط المالي، وفق التقرير، يمكن الحركة من “دفع رواتب لأفراد يُقدر عددهم بـ 18 ألف مسلح، وشراء الأسلحة، وتجهيز الحملات العسكرية، بما في ذلك استعادة المدن الاستراتيجية مثل عدن يابال شمال شرق مقديشو، التي تحولت إلى مركز لوجيستي حيوي يربط العاصمة بالمناطق الوسطى، ويُعزز قبضة الحركة على الطرق الرئيسية”.
ويلقي التقرير الضوء على أن “القوة المالية المتنامية لحركة الشباب كشفت عن نقاط ضعف العمليات العسكرية الصومالية”.
فعلى الرغم من الدعم الجوي الأمريكي (71 غارة جوية هذا العام) ومساندة قوات الاتحاد الأفريقي والمليشيات العشائرية، غالبا ما تواجه القوات الصومالية صعوبة في الحفاظ على المناطق المستعادة بسبب توتّر خطوط الإمداد وهشاشة المكاسب.
وقد سمح هذا لحركة الشباب باستعادة زمام المبادرة بسرعة بفضل مواردها المالية، ما يعكس نقاط ضعف الخطط العسكرية الحكومية، خاصة في ولايتي شبيلي الوسطى وغالمودوغ، حيث تكثف الحركة هجماتها وتستعيد الأراضي التي خسرتها القوات الحكومية.
ويؤكد التقرير أن “شبكة الشباب المالية لا تقتصر على الضرائب المحلية، بل تشمل تهريب الفحم والماشية، وفرض رسوم على التحويلات المالية، وغسيل الأموال عبر التجارة، ما يوفر تدفقا مستمرا من العملة الصعبة يُبقي الجماعة في موقف قوة حتى مع الضغوط العسكرية والعقوبات الاقتصادية”.
مكافحة التمويل
وأشار التقرير إلى أن جهود مكافحة تمويل الإرهاب لم تكن غائبة، حيث شدد البنك المركزي الصومالي اللوائح على شبكات تحويل الأموال غير الرسمية (الحوالة)، وجمدت السلطات مئات الحسابات العائدة لمحصلي ضرائب ووسطاء مشتبه بهم. كما فرض مركز استهداف تمويل الإرهاب الأمريكي الخليجي عقوبات على ممولين صوماليين في محاولة لتقويض الشبكة.
ومع ذلك، يُحذر مركز مكافحة الإرهاب من أن تراجع التركيز الغربي على مكافحة الإرهاب، وتحول الأولويات العالمية نحو التنافس بين القوى العظمى، قد منح فروع تنظيم القاعدة في أفريقيا، وعلى رأسها حركة الشباب، مساحة عملياتية أكبر للنمو.
ويُخلص التقرير إلى نتيجة أنه في حين أن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة قد ضعفت، فإن فروعها الأفريقية، وخاصة حركة الشباب، تُشكل الآن ركيزة أساسية لعمليات الشبكة العالمية.
وفي الصومال، أصبح التمويل هو الركيزة الأساسية للجهود الحربية للجماعة، مما يفرض تحديا معقدا يتجاوز نطاق المواجهات العسكرية التقليدية إلى حرب اقتصادية لاستعادة سيادة الدولة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز