من ليما إلى البرازيل.. رحلة المساواة بين الجنسين على طاولة مؤتمرات المناخ

برزت قضية المساواة بين الجنسين بقوة في مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية على مدار السنوات الماضية.
ولأول مرة، أُطلق “برنامج عمل ليما للنوع الاجتماعي” (LWPG) عام 2014، خلال COP20 في العاصمة البيروفية ليما، مستهدفًا تعزيز التوازن بين الجنسين، ودمج الاعتبارات الجندرية في العمل المناخي، وتحقيق العدالة بين الفئات المختلفة، مع إدماج هذه الأبعاد ضمن أهداف اتفاق باريس.
ويكتسب البرنامج أهمية خاصة بالنظر إلى أنّ النساء يُعدن من أكثر الفئات تعرضًا لآثار التغير المناخي رغم مساهمتهن المحدودة في الانبعاثات الدفيئة.
وتوضح غوى النكت، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حديثها لـ”العين الإخبارية”: “النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر رغم مساهمتهن المحدودة في الانبعاثات، وذلك بسبب عدم المساواة في الوصول إلى الموارد والمشاركة في القرارات”.
عدم مساواة واضحة
تظهر آثار التغير المناخي بشكل متفاوت بين الفئات السكانية. فالفيضانات والأعاصير وموجات الحر والجفاف تضرب الجميع، لكنها تؤثر بعمق أكبر على الفئات المهمشة.
وتشرح إنجي دازي، مديرة المساواة بين الجنسين والإدماج الاجتماعي في المعهد الدولي للتنمية المستدامة (IISD)، في تصريحها لـ”العين الإخبارية”: “تؤثر آثار تغير المناخ على مختلف الناس بطرق مختلفة. وتحدد أنظمة عدم المساواة، بما فيها التمييز الجندري والعنصري والعمري، إضافة إلى التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، مدى قدرة الأفراد على التكيف مع التغير المناخي”.
وتضيف: “على سبيل المثال، قد يكون المشردون أكثر عرضة لموجات الحر وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة، في حين لا يتمكنون من الوصول إلى أنظمة الإنذار المبكر أو الحصول على التبريد الكافي. فالقابلية للتأثر بتغير المناخ تتشكل وفق شبكة واسعة من العوامل المختلفة”.
دمج المساواة بين الجنسين في خطط التكيف
تبرز الحاجة الماسة لدمج العدالة الجندرية ضمن خطط التكيف المناخي من أجل تحقيق العدالة المناخية الشاملة. وترى غوى النكت أنّ “العدالة المناخية لا تنفصل عن العدالة الجندرية”. فعلى الرغم من أنّ النساء، لا سيما في دول الجنوب العالمي، يُعدن الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، إلا أن تمثيلهن في المفاوضات الدولية يظل ضعيفًا للغاية.
وتوضح أنّ إتاحة الفرصة أمام النساء لرفع أصواتهن على المسرح الدولي أمر بالغ الأهمية، إذ يمكنهن التعبير عن التحديات والمعاناة التي يواجهنها، وهو ما يساهم في صياغة سياسات أكثر عدالة وفعالية.
من جانبها، تؤكد إنجي دازي لـ”العين الإخبارية”: “المفارقة هي أنّ الأكثر عرضة للخطر غالبًا لا يحظون بتمثيل كافٍ في عملية تخطيط التكيف. من الضروري أن تكون هذه العمليات شاملة، بحيث تعكس التجارب الحياتية المختلفة وتمنح الجميع فرصة للتأثير على القرارات”. وتشير إلى أنّ إشراك جميع الفئات في النقاشات يعزز جودة النتائج، وهو ما تؤيده الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
صمود المجتمعات
تحقيق المساواة بين الجنسين لا يقتصر على إرساء العدالة، بل يسهم في تعزيز صمود المجتمعات ككل. فإشراك النساء والفئات المهمشة في العمل المناخي يغني السياسات بوجهات نظر متعددة، ويجعل المجتمعات أكثر قدرة على التكيف مع الأزمات المناخية.
وتقول غوى النكت في هذا السياق: “تجاهل البُعد الجندري يجعل الخطط أقل فعالية، بينما يضمن إدماجه استجابات شاملة تعزز من قدرة المجتمعات على الصمود”.
استدامة الحلول
تُعتبر النساء في كثير من الأحيان أكثر قدرة على تقديم حلول عملية مستدامة، استنادًا إلى خبراتهن اليومية في إدارة الموارد. ومع توفير مساحات لهن وتمويل عادل لمبادراتهن، يمكن تعزيز الحلول المناخية القائمة وجعلها أكثر استدامة ومرونة.
وتعلق غوى النكت: “دمج خطط التكيف المناخي مع العدالة الجندرية يعزز العدالة الواقعية عبر تلبية احتياجات الجميع، ويزيد من فرص نجاح السياسات، ويمكّن المجتمعات، ويشجع على الابتكار بفضل تنوع الرؤى والمعارف المحلية”.
المساواة بين الجنسين في مؤتمرات المناخ
حظيت قضية النوع الاجتماعي بمكانة متزايدة في مؤتمرات المناخ. ففي COP25 عام 2019، اتفقت الأطراف على برنامج عمل ليما للمساواة بين الجنسين لمدة خمس سنوات، تلا ذلك تنفيذ خطة عمله في COP26. ثم جاءت المراجعة المتوسطة في COP27 الذي استضافته مصر عام 2022.
وفي COP28، تقرر أن تُجرى المراجعة النهائية لبرنامج عمل ليما في يونيو/حزيران 2024، بينما واصل COP29، الذي استضافته أذربيجان، الاهتمام بقضايا النوع الاجتماعي ضمن أجندته.
ترقب COP30
تتجه الأنظار الآن نحو مؤتمر الأطراف (COP30) الذي تستضيفه مدينة بيليم البرازيلية في نوفمبر/تشرين الثاني 2025. ومن أبرز القضايا المطروحة للنقاش: الهدف العالمي للتكيف. ويأمل خبراء النوع الاجتماعي أن يفتح المؤتمر الباب أمام تعزيز دعم الفئات الأكثر هشاشة في مواجهة التغير المناخي.
وتختم أنجي دازي حديثها لـ”العين الإخبارية”: “في COP30 ستكون هناك فرصة لمناقشة الهدف العالمي للتكيف، وتقييم مدى نجاح السياسات الحالية. الأهم أن تكون الاعتبارات الجندرية جزءًا محوريًا في هذه المناقشات. كما أن خطة عمل النوع الاجتماعي ستكون مطروحة، ونتطلع لوضع خطة ملموسة وطموحة بلغة شاملة وآليات واضحة للمساءلة”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز