اسعار واسواق

واشنطن تطرح أكبر مبيعات فحم منذ 10 سنوات.. من يشتري «الجميل»؟


من المقرر أن يجري المسؤولون الأمريكيون في الأيام المقبلة أكبر مبيعات حكومية للفحم منذ أكثر من عقد، حيث سيعرض نحو 600 مليون طن من الاحتياطيات المملوكة للدولة بجوار مناجم الفحم في ولايتي مونتانا ووايومنغ.

تعد هذه المبيعات جزءا أساسيا من طموحات الرئيس دونالد ترامب لدعم الشركات في استخراج المزيد من الفحم من الأراضي الفيدرالية واستخدامه في توليد الكهرباء. ومع ذلك، يظهر تحليل بيانات وكالة أسوشيتد برس أن معظم محطات الطاقة التي تخدمها تلك المناجم تخطط للتوقف عن استخدام الفحم خلال السنوات العشر المقبلة.

كما تواجه ثلاثة مناجم أخرى كانت مستعدة للتوسع أو تجديد عقود الإيجار في عهد ترامب انخفاضا في الطلب مع تراجع الاعتماد على الفحم وإغلاق عدد من محطات الطاقة، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومنظمة غلوبال إنرجي مونيتور غير الربحية.


وتثير هذه التطورات سؤالا جوهريا حول مساعي الإدارة الجمهورية لإحياء صناعة ملوثة تعاني التراجع منذ سنوات: من سيشتري كل هذا الفحم؟

يبرز هذا التساؤل وسط تبنّي الإدارة لسياسات داعمة للفحم، رغم كونه أحد أبرز مسببات تغير المناخ، مما يعكس حالة من عدم اليقين في سوق الطاقة، حيث يتخذ المستثمرون قرارات طويلة الأمد قد تحدد مستقبل الصناعة، بل ومستقبل الكوكب بأكمله.

تقع مبيعات عقود الإيجار الجديدة في حوض نهر باودر بين مونتانا ووايومنغ، وهو أكثر حقول الفحم إنتاجا في الولايات المتحدة.

منجم فحم في أمريكا - رويترز

وأكد المسؤولون أن المبيعات ستستكمل اعتبارا من يوم الإثنين رغم الإغلاق الحكومي، بعدما تم استثناء العاملين على تصاريح وعقود الوقود الأحفوري من الإجازة.

وكان الرئيس الديمقراطي جو بايدن قد أوقف العام الماضي عقود إيجار الفحم المستقبلية في المنطقة، مشيرا إلى تأثيرها السلبي المحتمل على المناخ. وبحسب وزارة الطاقة الأمريكية، فإن الفحم الناتج عن العقدين المزمع بيعهما سيُنتج أكثر من مليار طن من ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري.

منجم فحم في أمريكا - رويترز

أما ترامب، فقد رفض في خطاب أمام الأمم المتحدة فكرة تغير المناخ، واصفا إياها بـ”الاحتيال”، مشيدا بالفحم بوصفه “جميلا”، وساخرا من الطاقة الشمسية والرياح. كما أعلنت إدارته إلغاء منح بقيمة 8 مليارات دولار لمشروعات الطاقة النظيفة في 16 ولاية فازت بها الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات 2024.

وبناء على أوامره في أول يوم لتوليه المنصب في يناير/كانون الثاني، أُعيد تفعيل مبيعات إيجار الفحم التي كانت معلقة، وتمت الموافقة عليها بسرعة دون النظر في آثار الانبعاثات الحرارية. كما وسعت الإدارة نطاق عقود الإيجار في ولايات يوتا، داكوتا الشمالية، تينيسي، ألاباما، مونتانا ووايومنغ.

وأعلن وزير الداخلية الأمريكي دوغ بورغوم أن الإدارة ستتيح أكثر من 20 ألف ميل مربع (52 ألف كيلومتر مربع) من الأراضي الفيدرالية للتعدين، وهي مساحة تفوق مجتمعة ولايتي نيوهامبشر وفيرمونت.

منجم فحم في أمريكا - رويترز

كما خفضت الإدارة معدلات الإتاوات على الفحم الفيدرالي، وأمرت بإبقاء محطة فحم في ميشيغان قيد التشغيل بعد موعد إغلاقها المخطط، وتعهدت بتخصيص 625 مليون دولار لإعادة تشغيل أو تحديث محطات الفحم وسط تزايد الطلب على الكهرباء من الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.

وقال بورغوم، محاطا بعمال المناجم والسياسيين الجمهوريين: “نعيد عمال المناجم الأمريكيين إلى العمل. لدينا منحنى طلب على الكهرباء يرتفع بسرعة”.

تظهر بيانات أسوشيتد برس أن محطات الطاقة في الأراضي العامة تستهلك كميات أقل من الفحم، في استمرار لانخفاض بدأ منذ عام 2007.

ويرى خبراء الطاقة والاقتصاد أن عودة الفحم إلى هيمنته السابقة أمر غير مرجّح، في ظل التحول نحو الطاقة النظيفة. ومع ذلك، يتوقع بعض المحللين ارتفاعا مؤقتا في الأسعار بسبب بطء نمو مشاريع الغاز والطاقة الشمسية.

وقال أوميد باليوال، الخبير في أسواق الكهرباء في مختبر لورانس بيركلي الوطني: “في النهاية، ستخرج العوامل الاقتصادية الفحم من السوق تدريجيا”.

منجم فحم في أمريكا - رويترز

قدمت شركة نافاجو ترانزيشنال إنرجي (NTEC) طلبا لبيع الفحم في مونتانا ووايومنغ، وهي من أكبر الشركات في القطاع منذ استحواذها عام 2019 على عدة مناجم رئيسية في حوض نهر باودر.

وتزود هذه المناجم 34 محطة طاقة في 19 ولاية، من المقرر أن يتوقف 21 منها عن استخدام الفحم خلال العقد المقبل، بما في ذلك جميع المحطات التي تعتمد على منجم سبرينغ كريك في مونتانا.

ووفق إيداعات رسمية، قدرت الشركة القيمة السوقية لـ167 مليون طن من الفحم الفيدرالي بجوار منجم سبرينغ كريك بنحو 126 ألف دولار فقط أي أقل من عُشر بنس للطن الواحد، مقارنة بعرض بلغ 35 مليون دولار لصفقة مماثلة في 2013، رفضه المسؤولون آنذاك باعتباره منخفضا جدا.

وأكدت الشركة أن انخفاض القيمة يعكس التوقعات الحكومية السابقة بتراجع المشترين. وقالت إن دافعي الضرائب سيستفيدون على المدى الطويل من أي عائدات مستقبلية، مشيرة إلى أن “سوق الفحم سينكمش بشكل كبير خلال العقدين المقبلين، مع تراجع عدد المشترين واشتداد القيود التنظيمية”.

منجم فحم في أمريكا - رويترز

في المقابل، أبدت شركة بيبودي للطاقة، أكبر منتج فحم أمريكي، تفاؤلا بمستقبل القطاع، متوقعة ارتفاع الطلب المحلي بمقدار 250 مليون طن سنويا بزيادة تقارب 50% عن المستويات الحالية، استنادا إلى فرضية زيادة إنتاج المحطات القائمة.

لكن الواقع يعكس صورة مختلفة؛ إذ لم تُبنَ أي محطة طاقة كبيرة تعمل بالفحم في الولايات المتحدة منذ عام 2013، ومعظم المحطات الحالية تجاوز عمرها 40 عاما.

ويؤكد نيخيل كومار من شركة GridLab أن الأموال المخصصة لتحديث هذه المحطات لن تكون مجدية، إذ يمكن أن تصل تكلفة استبدال مكوّن واحد من غلاية إلى 25 مليون دولار.

ويختتم كومار بقوله: “لا أفهم من أين سيأتي كل هذا الطلب على الفحم، في ظل تقلص عدد المنشآت التي لا تزال تستهلكه.”

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى