«الويغز الجدد»؟ الديمقراطيون في مواجهة اختبار الوجود

«أزمة وجودية» يواجهها الحزب الديمقراطي، والذي حقق «أسوأ أداء» له في استطلاعات الرأي منذ أكثر من ثلاثة عقود، مما أثار مخاوف من تكرار سيناريو «الويغز».
وظهر حزب الويغز الأمريكي في خمسينيات القرن التاسع عشر كرد فعل على سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق أندرو جاكسون، الذي اعتبره خصومه «ملكًا» لتوسعه في السلطة التنفيذية، إلا أنه انهار بين عشية وضحاها، مُحطمًا بذلك أول نظام ثنائي الحزب في البلاد، ومتيحًا المجال لظهور أحزاب جديدة حتى ثبت أحدها.
وأظهر استطلاع حديث أجرته صحيفة وول ستريت جورنال أن 63% من الناخبين لديهم رأي سلبي تجاه الحزب الديمقراطي، بينما لم يؤيده سوى 33% – وهو أسوأ أداء له منذ أكثر من ثلاثة عقود. ويحتل الديمقراطيون مراكز أدنى في استطلاعات الرأي من الرئيس دونالد ترامب وحزبه الجمهوري.
وأوضح جون أنزالون، خبير استطلاعات الرأي: «إن صورة الديمقراطيين سيئة للغاية لدرجة أنهم لا يملكون المصداقية الكافية لانتقاد ترامب أو الحزب الجمهوري». وأضاف: «ما لم يتواصلوا مجددًا مع الناخبين الحقيقيين والطبقة العاملة حول من يؤيدونهم وما هي رسالتهم الاقتصادية، سيواجهون مشاكل».
فهل يتكرر سيناريو «الويغز»؟
تكهن البعض بإمكانية انهياره، كما حدث مع حزب اليمين بين عشية وضحاها، لكن استنادًا إلى السجل التاريخي، فإن هذا غير مرجح، بحسب صحيفة «بوليتيكو»، التي قالت إن القوى الهيكلية منحت حزب اليمين قضايا أقل فأقل لتمييز أنفسهم عن الحزب الديمقراطي في ذلك الوقت.
إلا أنه لدى الديمقراطيين والجمهوريين اليوم الكثير من القضايا التي يتصارعون عليها. ورغم أن الحزب الديمقراطي لا يحظى بشعبية، إلا أن هناك رغبة كبيرة في وجود حزب معارض قوي.
فمهما حدث للديمقراطيين، فلن يكون مصيرهم ما حدث للويغز، مما يجعل السؤال الأنسب: هل يستطيع الديمقراطيون التعافي من الضرر الذي لحق بسمعتهم لدرجة أن عودتهم تبدو مستحيلة في الوقت الحالي؟ وكيف تشق الأحزاب طريقها لاستعادة مكانتها، وكم من الوقت يستغرق ذلك؟
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التحدي الذي يواجه الديمقراطيين اليوم هو مدى قدرتهم على استجماع كليهما – الحظ والقدرة على التأثير – بسرعة كافية ليكونوا مؤثرين، محذرة من أنه إذا لم يتمكنوا من ذلك، فإنهم يخاطرون بأن يصبحوا شيئًا نادرًا في السياسة الأمريكية: ليس مجرد حزب خارج السلطة، بل حزبًا خارج الزمن.
وأشارت إلى أن الحزب الجمهوري ولد كحزب للعمال الأحرار ومناهض للعبودية، لكنه الآن «يبدو وكأنه حزب الممولين والصناعيين، مما يترك للديمقراطيين مساحة للادعاء بأنهم يمثلون الأمريكيين العاديين.
دروس الماضي
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه على الديمقراطيين الاستفادة من دروس تسعينيات القرن التاسع عشر، والتي أصبح الديمقراطيون حينها قوة وطنية، مطالبة إياهم بضرورة التجديد، وإظهار قدرة على حسم قضايا جديدة، واستقطاب جمهور ناخبين متغير.
ويشير التاريخ إلى أن الأحزاب السياسية نادرًا ما تندثر فجأة، بل غالبًا ما تنجرف نحو التهميش نتيجة تشبثها الشديد بمعارك قديمة أو فشلها في مخاطبة دوائر انتخابية جديدة واهتمامات جديدة.
ولم ينهض الديمقراطيون في سبعينيات القرن التاسع عشر إلا بعد أن توقفوا عن إعادة طرح قضايا التحرر وإعادة الإعمار، وخاطبوا المزارعين والعمال والمهاجرين الذين ضغطت عليهم الرأسمالية الصناعية، وأظهروا براعتهم في استغلال فضائح الجمهوريين وتجاوزاتهم.
وبعد عام 1932، تأخر الجمهوريون حتى تعلم نيكسون، ثم ريغان، الدرس نفسه – قبول إرث الصفقة الجديدة المستمر، وإعادة توجيه الحزب نحو مخاوف جديدة بشأن الجريمة والتضخم والاضطرابات الثقافية، مع استغلال الفوضى الديمقراطية في سبعينيات القرن العشرين.
تحديات ملحة
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن التحدي الذي يواجهونه (الديمقراطيون) ليس غير مسبوق، لكنه مُلح: التكيف بسرعة مع سياسات اللحظة الراهنة – الاضطراب الاقتصادي، والاضطراب التكنولوجي، والتحول الديموغرافي – أو المخاطرة بالتحول إلى أقلية دائمة.
وبحسب «بوليتيكو»، فإن التاريخ واضح بما فيه الكفاية: الأحزاب التي تفشل في التغيير لا تخسر الانتخابات فحسب، بل تفقد أيضًا ادعاءها بالأهمية.
هذا لا يعني التخلي عن التزامات جوهرية كاستعادة حقوق الإجهاض أو تعزيز قانون أوباما للرعاية الصحية، لكنه يعني النظر إلى ما هو أبعد من ذلك – محاسبة القوة المزعزعة للاستقرار التي يفرضها الذكاء الاصطناعي والأتمتة على حياة الناس وسبل عيشهم، والتكيف مع التحولات الديموغرافية التي تُعيد تشكيل الناخبين، واستغلال فساد حزب الأغلبية أو ما يُنظر إليه على أنه عدم فعالية، كما فعل الديمقراطيون في سبعينيات القرن التاسع عشر والجمهوريون في سبعينيات القرن الماضي.
واختتمت تقريرها، قائلة إن «الأحزاب الصامدة لا تكتفي بالدفاع عن انتصارات الأمس؛ بل تستبق معارك الغد».
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز