اسعار واسواق

قصة صعود «يورينكو» من الرماد.. مصنع يعيد رسم خريطة اليورانيوم في أمريكا


كان بول لورسكولسينت مدير مناوبة في منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم في عمق جنوب غرب الولايات المتحدة، عندما ضربت الكارثة اليابان عام 2011.

فقد أدى زلزال ضخم أعقبه تسونامي هائل إلى وقوع حادث مروّع في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية. وعلى بُعد آلاف الأميال، في مدينة يونيس بولاية نيو مكسيكو، شغّل لورسكولسينت التلفاز ليتأكد من أن فريقه يتابع ما يحدث عبر المحيط الهادئ.

أدرك لورسكولسينت أن ما حدث في اليابان شكّل نقطة تحول في تاريخ الصناعة النووية. وكانت المحطة التي يشرف على مناوبتها قد افتُتحت حديثًا عام 2010، بعد أن أمضت شركة يورينكو الأوروبية لتخصيب اليورانيوم سنوات طويلة في بنائها استعدادًا لارتفاع الطلب العالمي على الطاقة النووية.

لكن على مدار العقد التالي، تراجع الدعم الشعبي للطاقة النووية، وأُغلقت عشرات المفاعلات في الولايات المتحدة، بينما واجهت الصناعة ضغوطًا شديدة من الغاز الطبيعي الرخيص والطاقة المتجددة، ما أدى إلى انخفاض الطلب على اليورانيوم منخفض التخصيب المستخدم في تشغيل المفاعلات.

يقول لورسكولسينت، الذي يشغل حاليًا منصب كبير المسؤولين النوويين في يورينكو الولايات المتحدة الأمريكية، في مقابلة مع شبكة CNBC: “انخفض سعر ما بعناه بشكل كبير”.

وأضاف أن عقود الشركة طويلة الأجل مع شركات المرافق العامة وفّرت حماية نسبية خلال فترة الركود، إلا أن تراجع الأسعار أوقف خطط التوسع المستقبلية.

وتقع يورينكو خارج لندن، وتملكها بشكل مشترك حكومتا بريطانيا وهولندا، إلى جانب شركتين ألمانيتين للمرافق العامة. وتُعد منشأتها في نيو مكسيكو المنشأة التجارية الوحيدة المتبقية لتخصيب اليورانيوم في الولايات المتحدة، بعدما أُغلقت آخر منشأة أمريكية في بادوكا بولاية كنتاكي عام 2013 إثر إفلاس شركة التخصيب الأمريكية عقب أزمة فوكوشيما.

وبعد مرور أربعة عشر عامًا، تغيّر المشهد مجددًا، إذ تسارع يورينكو الولايات المتحدة الأمريكية اليوم لتوسيع قدرتها الإنتاجية مع عودة الزخم إلى الصناعة النووية، مدفوعة بتوقعات ارتفاع الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة بفعل توسع الذكاء الاصطناعي وزيادة التصنيع المحلي.

ورغم هذا الحماس، لا تزال الشكوك قائمة حول ما إذا كانت إمدادات الطاقة الأمريكية ستنمو بالسرعة الكافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. ويُتوقع أن يكون توسيع تخصيب اليورانيوم جزءًا محوريًا من الحل، رغم تاريخ خيبات الأمل في هذا المجال.

ولا تزال الولايات المتحدة تعتمد على واردات اليورانيوم المخصب، إذ تستورد نحو 20% منه من روسيا حتى عام 2024 — وهو إرث من حقبة ما بعد الحرب الباردة. لكن واشنطن تعتزم حظر واردات الوقود الروسي بالكامل بحلول عام 2028 ردًا على حرب موسكو في أوكرانيا، ما سيُحدث فجوة هائلة في الإمدادات.

وتزامن ذلك مع إعلان عدد من المحطات النووية الأمريكية مثل باليساديس في ميشيغان، ومركز كرين للطاقة النظيفة في بنسلفانيا، ودوان أرنولد في أيوا، عن خطط لاستئناف عملياتها خلال هذا العقد بعد توقف دام سنوات.

كما يستثمر قطاع التكنولوجيا الأمريكي مئات الملايين من الدولارات لبناء مفاعلات متقدمة في ثلاثينيات القرن الحالي، لتزويد مراكز البيانات العملاقة التي تُدرّب وتشغّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالطاقة النظيفة.

ويقول لورسكولسينت: “نحن نعيش لحظة محورية؛ فالسنوات الخمس إلى العشر المقبلة ستحدد مستقبل الصناعة النووية. علينا الالتزام بالمواعيد والجداول الزمنية للحفاظ على هذا الزخم، وهو تحدٍ كبير بالفعل”.

وفي ظل الانقسام السياسي الحاد في واشنطن، تُعد الطاقة النووية من القضايا القليلة التي تحظى بتأييد الحزبين.

إذ يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى مضاعفة الطاقة النووية أربع مرات بحلول 2050، مقارنةً بهدف الرئيس السابق جو بايدن الذي كان يستهدف مضاعفتها ثلاث مرات فقط.

لكن الطموح الأمريكي يصطدم بحقيقة أن البلاد أنشأت محطة نووية جديدة واحدة فقط من الصفر خلال الثلاثين عامًا الماضية، ما يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق هذه الأهداف الطموحة.

ومع ذلك، يُجمع الخبراء على أن أي توسع في الطاقة النووية الأمريكية سيمر عبر منشأة يورينكو في نيو مكسيكو، التي تمتلك اليوم قدرة تلبي نحو ثلث الطلب المحلي، بعد استثمار تجاوز 5 مليارات دولار حتى الآن.

وتعمل الشركة على زيادة طاقتها الإنتاجية بنسبة 15% بحلول 2027 لاستبدال الوقود الروسي، وقد ركّبت بالفعل سلسلتين جديدتين من أجهزة الطرد المركزي هذا العام. ومع ذلك، يؤكد لورسكولسينت أن توسع يورينكو وحده لن يكفي لسد فجوة الإمدادات الروسية، داعيًا منافسيه إلى الإسراع في التوسع للحفاظ على استقرار السوق.

وفي الوقت ذاته، تتجه إدارة ترامب لبدء بناء عشرة مفاعلات نووية جديدة خلال هذا العقد، فيما أعلنت شركات التكنولوجيا الكبرى التزامها بزيادة الاعتماد على الطاقة النووية:

  • ألفابت (غوغل): 2 غيغاواط
  • أمازون: أكثر من 5 غيغاواط
  • ميتا (فيسبوك): نحو 4 غيغاواط

ويحذّر لورسكولسينت من أن الفجوة بين العرض والطلب تمثل خطرًا حقيقيًا، لكنه يرى أن سدها “ليس مهمة مستحيلة”.

وتتنافس يورينكو الولايات المتحدة الأمريكية على عقد من وزارة الطاقة لإنتاج المزيد من اليورانيوم منخفض التخصيب ضمن خطة أمريكية لبناء سلسلة إمداد نووية محلية كاملة، مما سيسمح بتشييد مبنى إنتاج رابع في منشأة نيو مكسيكو.

في المقابل، تسعى شركة أورانو الفرنسية لبناء منشأة تخصيب في أوك ريدج بولاية تينيسي، من المتوقع أن تبدأ عملياتها في ثلاثينيات القرن الحالي. كما تمتلك شركة سنتروس الأمريكية منشأة في أوهايو، لكنها لم تبدأ التشغيل التجاري بعد، رغم ارتفاع سهمها بأكثر من 400% هذا العام، مدفوعًا بتوقعات الطلب القوي على الوقود النووي الأمريكي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى