الإمارات والسودان.. خارطة دبلوماسية وإنسانية شاملة لإنهاء الأزمة

                            في ظل تفاقم المأساة السودانية وسعي المجتمع الدولي لإنهائها، قدمت الإمارات مجددا حلولا عملية ورؤية واقعية لإنهاء الأزمة عبر خارطة شاملة.
الخارطة كشف ملامحها السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي مساء الخميس وتناول الأوضاع في السودان في ظل التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها قبل أيام.
وتضمنت الخارطة محورين رئيسيين أحدهما يتعلق بالتطورات في الفاشر والآخر يخص الأزمة بشكل عام، بما يقود إلى “سودان آمن لكل أفراد شعبه بدون تطرف أو إرهاب أو عنف عرقي”، مع التأكيد على أن دولة الإمارات “ستواصل دعم الجهود الإقليمية والدولية من أجل وقف إطلاق النار وإرساء السلام والاستقرار الذي يريده الشعب السوداني”.
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023 عندما اختلف الطرفان اللذان كانا يتقاسمان السلطة سابقا حول خطط دمج قواتهما خلال فترة الانتقال إلى الديمقراطية.
وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين ومعاناة نحو نصف سكان السودان من مستويات مختلفة من الجوع وانتشار الأمراض في أنحاء البلاد.
وفي تطور فارق في مسار الحرب، سقطت مدينة الفاشر 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بيد قوات الدعم السريع، بعد أكثر من 18 شهرا من الحصار، وكانت آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، ما أتاح لقوات الدعم السريع بسط سيطرتها الكاملة على الإقليم الشاسع الذي يشكل نحو ثلث مساحة السودان.
ومع السيطرة على الفاشر، دخلت الحرب مرحلة جديدة، وسط تحذيرات من تداعيات استمرار الصراع، فيما شهدت المدينة وقوع انتهاكات عقب السيطرة عليها، أثارت انتقادات دولية واسعة، و أقر محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع السودانية بوقوع تجاوزات في الفاشر وتعهد بتشكيل لجنة تحقيق حول ما حدث.
التطورات في الفاشر على المسارين الإنساني والعسكري، أثبتت صواب الرؤية الإماراتية، التي لطالما أكدت منذ بدء الأزمة أن الحل السياسي وحده قادر على تحقيق السلام بالسودان، وأن هناك حاجة ماسة لهدنة إنسانية لطالما دعت الإمارات إليها ومعها المجموعة الرباعية التي تقود جهود حل الأزمة في السودان والتى تضم إلى جانب الإمارات كلا من الولايات المتحدة والسعودية ومصر.
أزمة الفاشر
التطورات في الفاشر، كانت محورا هاما في كلمة السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن، الذي قدم عبرها مبادرات إنسانية وسياسية لمعالجة الأزمة، تدحض أية افتراءات تنال الإمارات من دعم أي طرف في تلك الحرب الأهلية المستعرة، أبرزها:
– الإعلان عن تقديم الإمارات تبرع إضافي بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لدعم العمليات الإنسانية المنقذة للحياة في الفاشر.
– إدانة دولة الإمارات للهجمات المشينة ضد المدنيين في الفاشر، مؤكدة أنها “انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي”.
– دعوة قوات الدعم السريع لـ”ضمان حماية المدنيين، وأمن وسلامة العملية الإنسانية”.
-دعوة المجتمع الدولي إلى ضمان تقديم كل المسؤولين عن الفظائع إلى العدالة.
أزمة السودان
المحور الثاني تعلق بتقديم خارطة طريق لحل الأزمة السودانية، تتضمن:
– دعوة مجلس الأمن إلى الضغط على طرفي الحرب، واستخدام كل الأدوات الممكنة لـ”جبرهم على التفاوض”.
– ضرورة إبرام هدنة إنسانية، تسمح بوقف إطلاق نار فوري.
– ضرورة ممارسة طرفي الحرب ضبط النفس الكامل، ووقف كل استهداف للمدنيين.
– امتثال الأطراف المتناحرة، للقانون الدولي الإنساني بما في ذلك توفير ممرات إنسانية ومرور آمن للمساعدات والسماح للأمم المتحدة بأداء عملها.
– بدء عملية انتقالية صادقة، تؤدي إلى حكومة مدنية صادقة لا يسيطر عليها أي من طرفي الحرب.
تحذيرات
وأطلقت الإمارات تحذيرات عدة من خلال كلمتها، مع مرور أكثر من 900 يوم على الحرب في السودان، والتي “ابتلعت وطنا”، حيث حذرت مما يلي مع استمرار الحرب:
– المعاناة الإنسانية في السودان تتعمق كل يوم.
– الحالة في الفاشر تزداد سوءا يوما بعد الآخر.
– من يدفع ثمن هذه الحرب: النساء والأطفال وكبار السن.
– علينا ألا نسمح للحالة الإنسانية ألا تتدهور أكثر، وأن نغض الطرف عن الفظائع.
رسالة هامة 
ووجهت الإمارات رسالة هامة للعالم بأسره ، مؤكدة في كلمتها بمجلس الأمن أن “التطورات الأخيرة كشفت عن حقيقة لا لبس فيها، وهي أن المسار نحو السلام لا يمكن أن يأتي في ساحة المعركة”.
رؤى ومبادئ سبق أن أكدت عليها الإمارات مرارا وتكرارا، ضمن جهودها الشاملة وسعيه الحثيث لحل الأزمة منذ اندلاعها، كان أحدثها خلال الكلمة التي ألقتها لانا زكي نسيبة، وزيرة دولة في حكومة الإمارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي.
وأكدت في كلمتها وقوف الإمارات مع الشعب السوداني الشقيق في تطلعاته لانتهاء الحرب الأهلية وتداعياتِها الإنسانية العميقة.
وشددت على أهمية تحقيق وَقْف إطلاق نار فوري، وضَمان وصول المساعدات الإنسانية دونَ عوائِق إلى أنحاء البلاد.
وبينت أن السلام المستدام لا يتحقق بالحلول العسكرية، ولابُد من الدَّفْع نحوَ عملية انتقالية في السودان تُفْضي إلى حكومة مدنية مستقلة، لا تخضع لهيمَنَة أي من الأطراف الُمَتحارِبة، ولا مَكانَ فيها للتطرف والإرهاب.
خارطة طريق أعلنتها الإمارات مرارًا وتكرارًا في مختلف البيانات الرسمية التي أصدرتها بشأن الأزمة، وفي المحافل الدولية التي شاركت فيها لدعم أي حراك دولي يهدف إلى إنهاء تلك الأزمة سلمياً.
تمسّكت الإمارات بتلك الخارطة، التي رفضت فيها تلك الحرب العبثية، وأكدت عدم الانحياز لأي من أطرافها (الجيش السوداني والدعم السريع)، بل ودعت إلى محاسبتهم على انتهاكاتهم، مشددة على أن الشعب السوداني يستحق حكومة يقودها المدنيون، جعلها هدفًا دائمًا لأكاذيب سلطة بورتسودان .
وبين الفينة والأخرى، تعيد سلطة بورتسودان تدوير الأكاذيب القديمة التي تتهم الإمارات بدعم أحد أطراف الصراع، في محاولة متكررة لتحقيق مآرب خبيثة لا تخفى على أحد.
جهود دولية 
ومنذ بداية الأزمة بالسودان قبل عامين وحتى اليوم، لم تتوقف جهود الإمارات لوقف التصعيد وإنهاء الأزمة بالحوار والطرق السلمية.
جهود دبلوماسية وإنسانية انطلقت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة منتصف أبريل/نيسان 2023، وتطورت على مدار الفترة الماضية وفقا لتطورات الأزمة حرصا على التخفيف من وطأتها وتداعياتها الإنسانية.
ضمن أحدث جهودها في هذا الصدد، شاركت دولة الإمارات في اجتماع للمجموعة الرباعية بشأن السودان مع طرفي الصراع في واشنطن قبل أيام.
وكعضو فاعل في المجموعة الرباعية التي تضم دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، تدعم الإمارات حلاً سياسياً شاملاً يضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار، ولطالما أكدت أن مستقبل السودان يحدده إرادة شعبه، في إطار رؤية استراتيجية لاستعادة الاستقرار والسيادة.

وفي 13 سبتمبر/ أيلول الماضي، أصدرت المجموعة الرباعية، بيانا مشتركا عقب مشاورات مكثفة بشأن الصراع في السودان، أجراها وزراء خارجية الدول الأربع، حيث أكدوا أن هذا الصراع تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأنه يشكل مخاطر جسيمة على السلم والأمن الإقليميين.
والتزم الوزراء بمجموعة من المبادئ المشتركة لإنهاء الصراع في السودان ومن أبرزها أن سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ضرورية للسلام والاستقرار، وعلى عدم وجود حل عسكري مجدٍ للصراع، وأن مستقبل حكم السودان يقرره الشعب السوداني من خلال عملية انتقالية شاملة تتسم بالشفافية.
ودعا الوزراء إلى هدنة إنسانية، لثلاثة أشهر بصفة أولية، لتمكين الدخول السريع للمساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان، بما يؤدي بشكل فوري إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم يتم إطلاق عملية انتقالية شاملة تتسم بالشفافية وإبرامها في غضون تسعة أشهر لتلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بسلاسة بقيادة مدنية تتمتع بشرعية ومسؤولية واسعة النطاق، وهو أمر حيوي لاستقرار السودان على المدى الطويل والحفاظ على مؤسسات الدولة فيه.
وأوضحوا أن مستقبل السودان لا يمكن أن تُمليه الجماعات المتطرفة العنيفة التي تنتمي أو ترتبط بشكل موثق بجماعة الإخوان، التي أدى نفوذها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
ولكن حكومة بورتسودان، أعلنت رفضها مقترح الهدنة التي قدمته الرباعية، وأكدت تمسكها بالمشاركة في الحكم خلال الفترة الانتقالية.
ملحمة إنسانية 
وتتواصل جهود الإمارات على مختلف الأصعدة للحفاظ على السودان وأهله، وإعادة الاستقرار والأمن والسلام لأرض النيل.
وعلى مدار أكثر من عامين من عمر الأزمة، شكّلت المبادرات والمساعدات الإماراتية، التي بلغت 680 مليون دولار، طوق نجاة لملايين المتضررين، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص، وسط جهود متواصلة لضمان وصول المساعدات إلى 30 مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة، بينهم أطفال ونساء.
وبمساعداتها خلال الأزمة، يرتفع إجمالي مساعدات الإمارات للسودان على مدار السنوات العشر الماضية إلى أكثر من 3.6 مليار دولار.
فمنذ بداية الأزمة، سيّرت دولة الإمارات جسرًا جويًا وبحريًا نقل قرابة 13 ألفًا و168 طنًا من المواد الغذائية والطبية والإغاثية عبر 162 طائرة وعدد من سفن المساعدات.
أيضًا، في إطار الدعم الإنساني والإغاثي والطبي المقدم من دولة الإمارات للاجئين السودانيين المتأثرين بالأوضاع الصعبة التي تسبب بها الصراع في البلاد، أنشأت الإمارات 3 مستشفيات لتوفير الخدمات الطبية للاجئين في دول الجوار، تنفيذًا لتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وهما مستشفيان في أمدجراس وأبشي بتشاد، قاما بعلاج 90,889 حالة.
كما افتتحت الإمارات، في 7 مارس/آذار الماضي، مستشفى ثالثًا في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلًا عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز
 
				



