اخبار الامارات

تغيرات النظام العالمي بين صعود آسيا وأزمة الشرق الأوسط ‹ جريدة الوطن

 

تغيرات النظام العالمي بين صعود آسيا وأزمة الشرق الأوسط

 

 

 

 

يخضع العالم اليوم لتغيرات كثيرة سريعة وفاصلة؛ مما يعيد رسم المشهد العالمي بطريقة لا تزال مبهمة وغير واضحة. وبينما لا تزال الولايات المتحدة محتفظة بمكانتها كقوة عالمية رائدة، إلا أن رئيسها يُواصل التلاعب بالتزاماته والتهرب من مسؤولياته العالمية التي طالما كانت ثابتة، متبنيا فلسفة “أمريكا أولا”، وعدم الانخراط المبالغ فيه عالميا “ماجا”. ويعرب الرئيس ترامب صراحةً عن استيائه من النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وتطور إبان الحرب الباردة، مفضلا التحول نحو نظام عالمي يقوم على المعاملات المادية والتكتيكية. لكن يظل من المبكر الجزم ما إذا كان هذا المسعى سيؤدي إلى الربح أم الخسارة، وهل يستقر أم يتغير مع الظروف، فعلى القادة أن يكونوا حذرين فيما يسعون إليه وما يتمنونه.

وبالنظر إلى أوروبا، نجدها -على الرغم من غنى تراثها التاريخي وتماسك رؤيتها الإقليمية لعقود من الزمن مما كانا دائماً ما يجعل أنها قوةً لا يستهان بها- مشوشة، فأصبحت الان في حيرة من أمرها. بالأعضاء الجدد والسياسات الشعبية القومية المتزايدةُ تحدث شروخاً واختلالات؛ مما يُضعف مكانة القارة وجاذبيتها وقيمتها على الساحة العالمية.

صعود آسيوي:

وبالنظر إلى النموذج العالمي، فإن من أهم العوامل الجديدة التي طرأت عليه هي صعود الصين، إلى جانب تنامي قوى عالمية (آسيوية) أخرى؛ مما يؤكد التنامي الآسيوي ويسير مبتعداً عن المركزية الأوروبية. وعلى الرغم من أن هذه التحولات تعتبر جزئياً نتيجة طبيعية للتطور؛ فإن تسارعها يُعزى تطبيق إدارة ترامب لسياساتٍ تتسم بالخشونة.

وتبرز الأحداث الأخيرة هذه التحولات في المشهد العالمي بوضوح؛ حيث تُعد الاحتفالات الصينية والاستعراضات العسكرية لإحياء ذكرى هزيمة اليابان، بالإضافة إلى الحضور الواضح للقوى الكبرى في قمة منظمة شنغهاي للتعاون بتيانجين، والتي عقدت مطلع سبتمبر الماضي دليلاً على هذا التنامي الجديد. وقد كانت المشاركة الواسعة والمتنوعة للقادة بفعاليات منظمة شنغهاي للتعاون -ولا سيما التفاعلات الثنائية والثلاثية الودية بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي مودي- دليلاً واضحاً على تلك التغيرات العالمية.

وكان من اللافت للنظر إعلان الرئيس بوتين -عشية عرض عسكري ضخم في بكين- أن العلاقات الروسية الصينية هي علاقات: “ذات طبيعة استراتيجية على مستوى غير مسبوق”. هذا ووصفت وسائل الإعلام الصينية الرسمية العلاقات مع روسيا بأنها مثالية. وأعرب الرئيس الصيني لبوتين عن استعداد بلاده للعمل من أجل “تعزيز بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلاً وعقلانية”، لقد عُقدت هذه الاجتماعات في وقتٍ تتزايد فيه مكانة الصين كقوة دبلوماسية مؤثرة، حتى في ظلّ خوضها مفاوضات تجارية معقدة مع الولايات المتحدة. ولا يقلّ أهميةً مشهد القادة الثلاثة وهم يتبادلون أطراف الحديث بثقة؛ حيث انطلق بوتين ومودي في جولة بالسيارة وصفها مودي لاحقاً بأنها ثاقبة.

كما عكس الاجتماع الحزبي الرابع على المستوى المنعقد منذ أيام قليلة تثبيت للثقة والقوى على مستوى القيادة

إن رؤية قادة الصين والهند -عملاقي آسيا المتنافسين، واللذين طالما وجدت بينهما خلافات تاريخية- يتخذون مواقف واضحة في سياق تعاوني لا تصادمي، يُمثل تحولاً ملحوظاً. فحتى عقود قليلة مضت، كانت المخاوف الهندية من سياسات الصين عاملاً رئيسياً في قرارها الإعلان عن امتلاكها أسلحة نووية، وهي خطوة خطتها باكستان بعد ذلك. ولكن ما يحدث اليوم يشهد بأن هناك تحولاً كبيراً فعلياً في العلاقات الآسيوية.

يبدو الآن أن عقوداً من العلاقات الاستراتيجية القوية بين الولايات المتحدة والهند -والتي تهدف إلى إبقاء الأخيرة خارج مدار الصين- قد انقلبت رأساً على عقب مع تقارب رئيس الوزراء الهندي مودي مع كل من روسيا والصين، خصمي الولايات المتحدة الرئيسيين. فجاء رد فعل مودي واضحاً على الإجراءات الجمركية الصارمة التي تطبقها إدارة الرئيس ترامب، والتي فُرضت جزئياً بسبب استمرار الهند في شراء النفط الروسي على الرغم من العقوبات الغربية أحادية الجانب الناجمة عن أزمة أوكرانيا.

يُظهر الرئيس الهندي مودي براعته في إدارة مسارات دبلوماسية متعددة في آنٍ واحد. أما الرئيس الروسي بوتين، فيفضل الاستفادة من سمات ترامب الشخصية للحفاظ على وجود مسافة بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن أوكرانيا. في حين يركز الرئيس الصيني شي جين بينغ -الحازم في نهجه- على الانتهاء بنجاح من المحادثات التجارية الصعبة الجارية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، شعر القادة الثلاثة بوضوح بأنهم مضطرون لإرسال إشارة إلى الولايات المتحدة برفضهم الخضوع للتنمر. ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستبقي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على نفوذهم أم سيخسرونه؟

فيما يتعلق بأوكرانيا، يبدو أن ترامب وبوتين ينتقدان دور أوروبا في دفع عملية السلام. ويدعو ترامب أوروبا للتوقف عن شراء الطاقة الروسية ولممارسة ضغوط اقتصادية على الصين لتوقف تمويلها للجانب الروسي في الحرب الروسية الأوكرانية، على الرغم انه لايزال يستورد ٢٠% من احتياجاته من اليورانيوم من روسيا

أزمة الشرق الأوسط:

من الغريب أن الرئيس ترامب -الذي ركز في حملته الانتخابية على التصريح بتجنب التدخلات العسكرية الأمريكية غير الضرورية، ويرغب في الاعتراف به كصانع سلام- قد قرر إعادة تسمية البنتاغون بوزارة الحرب بدلاً من الدفاع، بالتوقيت والمنطق غريبان لشخص يدّعي أنه من أنصار عدم التدخل والزج ببلاده في حرب، علما انه رجل المفاجآت فما طرحه في نهاية المطاف فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين والمختطفين شمال نقاط عديدة تعكس تراجعا عن مبادرة ريفيرا غرة خاصة فيما يتعلق بالتهجير وهو ما يؤكد أن اتخاذ العرب ومواقف صلبة والتحرك الدبلوماسي النشط له مردوده وإن كان من السابق لأوانه الاطمئنان اننا  على مشارف حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي

إن منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام تعيش حالة من الفوضى العارمة، وتتأرجح على شفا هاوية. فليبيا والسودان وسوريا واليمن ولبنان باتت ساحات قتال. واستخدام إسرائيل المفرط للقوة في جميع أنحاء المنطقة -بما في ذلك شنّها هجمات دراماتيكية على إيران والبحر الأحمر- يزيد من احتمالية اندلاع المزيد من الصراعات بالمنطقة.

تشير الهجمات الإسرائيلية الإجرامية على غزة، وما تمارسه إسرائيل من إبادة جماعية ولا إنسانية، بجانب سياساتها التوسعية بالضفة الغربية إلى ممارسات غير قانونية خطرة تدفع المنطقة برمتها بعيداً عن الأمن والسلام. إن اتجاه السياسات الإسرائيلية نحو التطرف -كالتهجير القسري وضم الأراضي- وفقاً لمفاهيم راسخة وطويلة الأمد كمفهوم “إسرائيل الكبرى” على حساب الدول المجاورة، يُثير التساؤلات حول رغبة إسرائيل في الوصول إلى سلام حقيقي مع العالم العربي.

استراتيجياً، يرغب العرب في السلام وينبغي عليهم الحفاظ على هذا الموقف، وهناك مؤشرات أن السياسات الإسرائيلية تدفع عدد من الدول العربية اللجوء إلى تحذير إسرائيل من تداعيات سياساتها . ومثال ذلك ما قامت به مصر من تصريحات وإجراءات في سيناء وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة حين رفعت الراية الحمراء أمام إسرائيل بشأن ضمها لأراضي الضفة الغربية. وقد أكدت مصر والأردن، وهما دولتان تربطهما معاهدات سلام رسمية مع إسرائيل، علناً أن التهجير القسري للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية يُشكل تهديداً لأمنهما القومي. هذا واتخذت المملكة العربية السعودية والعديد من الدول العربية الأخرى موقفاً واضحاً وحازماً من السياسات الإسرائيلية المتطرفة.

لقد كان رد فعل إسرائيل الأول على أحداث السابع من أكتوبر هو الصدمة والغضب والرغبة في الانتقام، ولذا قامت باستخدام القوة العشوائية الضارية بهدف صريح ومُدبر وهو القضاء التام على أي احتمالات للتعبير الوطني الفلسطيني. وفي الجانب الفلسطيني، كانت الخسائر البشرية والمادية فادحة، ومع ذلك ما تزال إسرائيل اليوم أقل أمناً ولم تهزم حماس.

في الواقع، إن إسرائيل قد فقدت دعماً كبيراً في الرأي العام الغربي والذي لطالما كان مؤيداً لها، وهي اليوم تشهد موجة متزايدة من الحكومات الأوروبية المعلنة عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية. ولذا يمكن استخلاص أن قوة إسرائيل الغاشمة لم تُوفر لها المزيد من الأمن، بل جاءت بثمن سياسي باهظ.

وعلى الصعيد العالمي، ما نشهده الآن هو غطرسة القوة قصيرة النظر والتي ستفشل في تحقيق أهدافها المرجوة، بل وقد تُؤدي إلى خلق ظروف أكثر فظاعة؛ لذا علينا جميعاً أن نشهد ونظل مستجيبين؛ لأن القوة الغاشمة والإكراه السافر سيؤديان لا محالة إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والعالمي من خلال فك الاشتباك وتقديم خيارات محصلتها صفرية متبادلة، مع وجود عواقب وخيمة وخطرة على الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى