اسعار واسواق

«السهم المكسور».. قصة أول حادث نووي في التاريخ الأمريكي


قبل 75 عاما، شهدت الولايات المتحدة أول حادثة من نوع “السهم المكسور” في التاريخ النووي الأمريكي.

و”السهم المكسور” هو المصطلح العسكري الذي يُستخدم لوصف الحوادث الخطيرة التي تنطوي على فقدان أو تدمير أو سرقة الأسلحة النووية أو وقوعها في خطر دون نية مسبقة.

ففي ليلة 13 فبراير/شباط عام 1950، شهد العالم أول واقعة من هذا النوع، حين اضطر طاقم قاذفة قنابل أمريكية من طراز “بي-36 بيسميكر” إلى إسقاط قنبلة نووية في مياه المحيط الهادئ قبالة السواحل الكندية، لتصبح تلك الحادثة أول اختبار عملي لمخاطر الردع النووي في بدايات الحرب الباردة.

رحلة تدريبية تحولت إلى مأساة

ووفقا لموقع “تايم وور زو”ن، انطلقت الطائرة من قاعدة إييلسون الجوية في ألاسكا، في إطار مهمة تدريبية سرية تحاكي سيناريو ضربة نووية ضد هدف استراتيجي – تمثّل هذه المرة بمدينة سان فرانسيسكو كبديل رمزي لمدينة سوفيتية مفترضة.

كان الطاقم المكوّن من 17 فردًا ينفّذ ما يشبه تدريبا واقعيا لهجوم نووي عابر للقارات، ضمن تدريبات القوة الجوية الاستراتيجية الأمريكية التي كانت تسعى آنذاك لإثبات قدرتها على إيصال القنابل الذرية إلى أي مكان في العالم.

لكن الرحلة لم تسر كما خُطط لها. فبعد 6 ساعات من الإقلاع، واجهت القاذفة عاصفة ثلجية حادة فوق شمال المحيط الهادئ، ما أدى إلى تجمّد الهيكل الخارجي للطائرة، واضطر الطاقم إلى تشغيل المحركات الستة بأقصى طاقتها للحفاظ على الارتفاع.

سرعان ما اشتعلت النيران في ثلاثة من محركاتها، لتتحول المهمة التدريبية إلى سباق يائس من أجل النجاة.

القرار المصيري

مع تعطل نصف المحركات وتراجع القدرة على الطيران، بدأ الطيار الكابتن هارولد باري تنفيذ إجراءات الطوارئ القصوى. وطبقًا للبروتوكول النووي المعتمد في تلك الفترة، كان لا بد من التخلّص من القنبلة النووية أولًا قبل السماح للطاقم بالقفز.

وعلى ارتفاع يقارب 8000 قدم، فُتحت أبواب مخزن القنابل، لتُسقط القنبلة من نوع “إم كيه4” في مياه المحيط. لحظة السقوط شهدت وميضًا ساطعًا وصوت انفجار قويّ، إذ كانت القنبلة تحتوي على مواد شديدة الانفجار، لكن نُزعت منها النواة الانشطارية واستبدلت بقطعة تدريبية من الرصاص بالوزن نفسه – وهو ما أنقذ العالم من كارثة نووية كانت محتملة.

وفي شهادته أمام لجنة التحقيق العسكرية لاحقًا، قال الكابتن باري: “بدأنا نفقد الارتفاع بمعدل 500 قدم في الدقيقة. عندما وصلنا إلى 9000 قدم، أسقطنا القنبلة، ثم وجهت الطائرة نحو البحر وطلبت من الطاقم القفز.”

قفز أفراد الطاقم فوق جزيرة برنسيس رويال الكندية مستخدمين مظلاتهم، لكن 5 منهم اختفوا إلى الأبد، ويُعتقد أنهم سقطوا في المياه المتجمدة حيث كانت درجات الحرارة دون الصفر، ولم تكن لديهم سترات نجاة كافية.

البحث عن الحطام والخوف من السوفيات

أطلقت السلطات الأمريكية والكندية عملية بحث وإنقاذ ضخمة شاركت فيها أكثر من 40 طائرة وسفن بحرية، لكن من دون جدوى.

وبعد 3 سنوات، في عام 1953، عُثر بالصدفة على حطام القاذفة على منحدر جبل كولوجِت النائي في شمال غرب كولومبيا البريطانية.

قاذفة أمريكية من طراز بي-36

تخوفت واشنطن من إمكانية وصول الاتحاد السوفياتي إلى حطام الطائرة وما تحويه من أجهزة استهداف نووي حساسة، فأرسلت فرقًا هندسية خاصة لتدمير ما تبقّى منها. وفي عام 1954، فجّرت القوات الأمريكية بقايا الطائرة في الموقع لتأمينها نهائيًا.

إرث نووي محفوف بالمخاطر

وقع الحادث في مرحلة كانت فيها الولايات المتحدة تمتلك تفوقًا نوويًا ساحقًا – إذ بلغ عدد قنابلها النووية آنذاك 235 قنبلة، مقابل قنبلتين فقط تقريبًا لدى الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، أظهرت الواقعة أن امتلاك السلاح لا يعني السيطرة المطلقة عليه.

ومنذ ذلك التاريخ، سجّلت الولايات المتحدة 32 حادثة “سهم مكسور” على الأقل، فقدت في بعضها قنابل لم يُعثر عليها حتى اليوم.

أحد أكثر هذه الحوادث غرابة وقع عام 2007، حين تم تحميل ستة صواريخ كروز نووية حية عن طريق الخطأ على طائرة B-52 ونُقلت لمسافة 2300 كيلومتر عبر البلاد دون علم الطاقم بأنها تحمل رؤوسًا نووية – وبقيت مسلحة لمدة 36 ساعة كاملة قبل اكتشاف الخطأ.

ورغم مرور 75 عامًا على الحادثة الأولى، ورغم التطور الهائل في إجراءات الأمان والتكنولوجيا، يبقى الدرس الأهم أن خطأً بشريًا واحدًا أو خللًا تقنيًا عابرًا قد يكون كافيًا لإشعال نهاية الحضارة الإنسانية.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى