وول ستريت والاقتصاد الأمريكي.. الغموض يسيطر على العلاقة بين الأسهم والإنفاق

                            قال تحليل نشرته مجلة فورتيون إن القول التقليدي بأن سوق الأسهم يختلف عن الاقتصاد الحقيقي بات اليوم أكثر غموضًا من أي وقت مضى. 
فقد أظهرت بيانات اقتصادية حديثة أن ارتفاع أسعار الأصول، وخصوصًا الأسهم، أصبح ينعكس مباشرة على سلوك المستهلكين، مما يجعل أداء الأسواق المالية عاملًا مؤثرًا في النشاط الاقتصادي العام.
وفقًا لتقديرات برنارد ياروس، كبير الاقتصاديين في مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس، فإن كل زيادة بنسبة 1% في الثروة الناتجة عن ارتفاع الأسهم تؤدي إلى زيادة قدرها 0.05% في الإنفاق الاستهلاكي، أي أن كل دولار إضافي في ثروة الأسهم يولد إنفاقًا بقيمة خمسة سنتات، مقارنة بسنتين فقط في عام 2010. كما أن كل دولار إضافي في ثروة العقارات يضيف نحو أربعة سنتات إلى الاستهلاك، ارتفاعًا من ثلاثة سنتات سابقًا.
ويشير ياروس إلى أن هذا “الأثر الثرواتي” أصبح أقوى خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة، إذ إن ارتفاع الأصول يجعل الأسر أكثر تفاؤلًا بشأن أوضاعها المالية، ما يدفعها إلى زيادة الإنفاق أو بيع جزء من الأسهم لتحقيق مكاسب تموّل استهلاكها الحالي.
ومن المتوقع أن يزداد هذا التأثير مستقبلاً مع تزايد نسبة المتقاعدين في المجتمع، الذين يعتمدون على ثرواتهم لتمويل إنفاقهم بعد التوقف عن العمل. كما أن الانتشار الواسع للإعلام الرقمي يجعل المزاج الاستهلاكي أكثر تفاعلاً مع أخبار الأسواق، مما يعزز هذه الدائرة الاقتصادية المتسارعة.
وتعد هذه الديناميكية عاملًا رئيسيًا في مرونة الإنفاق الاستهلاكي مؤخرًا، رغم استمرار التضخم وتباطؤ التوظيف بفعل الحرب التجارية التي يخوضها الرئيس دونالد ترامب.
فأسهم التكنولوجيا المدفوعة بثورة الذكاء الاصطناعي تواصل تسجيل مستويات قياسية، لتقود بدورها حركة السوق وتغذي الاستهلاك.
ويقدر ياروس أن مكاسب الأسهم في قطاع التكنولوجيا خلال العام الماضي وحده ستسهم في رفع الإنفاق الاستهلاكي السنوي بنحو 250 مليار دولار، أي أكثر من 20% من مجمل الزيادة في الإنفاق.
كما تشير تقديرات جي بي مورغان إلى أن الأسر الأمريكية كسبت أكثر من خمسة تريليونات دولار من الثروة خلال العام الأخير بفضل 30 شركة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ما رفع الإنفاق السنوي بنحو 180 مليار دولار.
ورغم أن هذا الرقم يمثل أقل من 1% من إجمالي الاستهلاك، إلا أنه مرشح للارتفاع إذا توسع تأثير الذكاء الاصطناعي ليشمل قطاعات أخرى مثل العقارات.
ولا يقتصر امتلاك الأسهم على الأثرياء فحسب، إذ أظهرت دراسة حديثة من مؤسسة بلاك روك أن أكثر من 54% من الأمريكيين الذين تتراوح دخولهم بين 30 و80 ألف دولار أصبحوا مستثمرين في الأسواق خلال الأعوام الخمسة الماضية.
ومع ذلك، يظل الأثرياء الأكثر تأثيرًا، حيث أظهرت بيانات موديز أن أعلى 10% من أصحاب الدخل مسؤولون عن نصف الإنفاق الاستهلاكي في الربع الثاني من العام، وهو مستوى غير مسبوق.
ونقل التحليل عن مايكل براون، كبير المحللين في شركة بيبرستون، قوله إن هذا الوضع يخلق اقتصادًا يعتمد بشكل متزايد على إنفاق الأثرياء، بينما يعتمد هؤلاء بدورهم على بقاء الأصول الخطرة مثل الأسهم في حالة انتعاش.
ويضيف براون أن هذه العلاقة المتبادلة تدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي والكونغرس إلى تبني سياسات نقدية ومالية تدعم الأسواق، لأن أي هبوط حاد في أسعار الأصول سيؤدي إلى تباطؤ الإنفاق، وبالتالي تراجع النمو الاقتصادي.
وبهذا، أصبح الاقتصاد الأمريكي أكثر ارتباطًا من أي وقت مضى بمصير سوق الأسهم، في معادلة جديدة تجعل وول ستريت و”الاقتصاد الحقيقي” وجهين لعملة واحدة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز
				



