اسعار واسواق

جحيم سجن «راكيفت» الإسرائيلي.. غزاويون تحت الأرض بلا تهم ولا ضوء


اختارت إسرائيل أن تعيد فتح سجن «راكيفت» بعد سنوات من غلقه لاحتجاز فلسطينيين من غزة.

وبحسب تقرير نشرته اليوم السبت، صحيفة “الغارديان” البريطانية تحتجز إسرائيل عشرات الفلسطينيين من غزة في السجن الذي أقيم تحت الأرض، معزولين تماماً عن العالم الخارجي، لا يرون ضوء النهار، ويُحرمون من الغذاء الكافي ومن أي تواصل مع عائلاتهم أو معرفة ما يجري خارج الزنازين.

وأقيم السجن في ثمانينيات القرن المنصرم بهدف احتجاز عتاة الجريمة المنظمة في إسرائيل، لكن سوء سمعته أدى إلى غلقه بعد سنوات. وفي أعقاب هجوم حماس على إسرائيل قرر وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير أمر بإعادة تشغيله.

ويشمل المحتجزون، وفقاً لمحامين من “اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل” (PCATI)، مدنيَّين اثنين على الأقل جرى احتجازهما لأشهر من دون تهم أو محاكمة، وهما ممرض اعتُقل وهو يرتدي زي العمل، وشاباً يبيع الطعام.

وذكر المحامون أن الرجلين نُقلا إلى مجمع “راكيفت” الواقع تحت الأرض في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث وصفا تعرضهما للضرب المنتظم وللعنف الممنهج، بما يتسق مع أنماط التعذيب الموثقة في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية الأخرى.

وتقع الزنازين، وساحة التمارين الصغيرة، وغرفة لقاء المحامين جميعها تحت الأرض، ما يجعل السجناء يعيشون من دون أي ضوء طبيعي. وقد صُمم السجن في الأصل لاستيعاب عدد قليل من النزلاء الخطرين في زنازين فردية، وكان يضم 15 سجيناً فقط عند إغلاقه عام 1985.

غير أن البيانات الرسمية التي حصلت عليها لجنة PCATI تُظهر أن عدد المحتجزين فيه وصل في الأشهر الأخيرة إلى نحو 100 شخص.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، أفرجت إسرائيل عن 250 أسيراً فلسطينياً أُدينوا أمام محاكم إسرائيلية، إضافة إلى 1700 معتقل من غزة كانوا محتجزين إلى أجل غير مسمى من دون توجيه تهم أو محاكمة. وكان الشاب بائع الطعام المحتجز في راكيفت من بين من شملهم الإفراج.

لكن رغم هذا الإفراج الجماعي، ما زالت إسرائيل تحتجز ما لا يقل عن ألف شخص آخرين في الظروف ذاتها، بينهم الممرض الذي تمثله لجنة PCATI.

وقالت لجنة “مناهضة التعذيب في إسرائيل”: “رغم أن الحرب انتهت رسميًا، فإن (الفلسطينيين من غزة) ما زالوا محتجزين في ظروف قسرية وعنيفة تُطبّق بموجب قوانين الحرب المثيرة للجدل، وتنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل نوعًا من التعذيب”.

الرجلان اللذان التقيا بمحامي لجنة “مناهضة التعذيب في إسرائيل في سبتمبر/أيلول هما ممرض يبلغ من العمر 34 عامًا اعتُقل أثناء عمله في مستشفى في ديسمبر /كانون الأول 2023، وتاجر شاب أُلقي القبض عليه في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أثناء مروره عبر حاجز إسرائيلي.

وقالت المحامية في اللجنة، جانان عبده: “في الحالات التي زرناها، نحن نتحدث عن مدنيين”، مضيفةً: “الشخص الذي تحدثتُ معه كان شابًا يبلغ 18 عامًا يعمل في بيع الطعام، وقد تم توقيفه عند أحد الحواجز على الطريق.”

وكان الوزير الإسرائيلي المتشدد إيتمار بن غفير قد صرّح لوسائل إعلام إسرائيلية وأحد أعضاء الكنيست أن سجن “ركيفت” يُعاد تأهيله لاحتجاز مقاتلي “النخبة” في حركة حماس، الذين نفذوا الهجمات داخل إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إضافة إلى عناصر من قوات “حزب الله” الخاصة الذين أُسروا في لبنان.

وأكد مسؤولون إسرائيليون أنه لم يُفرج عن أي فلسطيني شارك في هجمات عام 2023 ضمن صفقة وقف إطلاق النار التي أُطلق بموجبها سراح الأسير الشاب وأُعيد إلى غزة.

ولم ترد مصلحة السجون الإسرائيلية على أسئلة الصحيفة بشأن هوية ووضع بقية المحتجزين في سجن “ركيفت”، الذي يعني اسمه بالعبرية “زهرة السيكلامين”.

وتشير بيانات إسرائيلية سرية إلى أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين أُسروا في غزة خلال الحرب هم من المدنيين.

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد قضت في عام 2019 بأن احتجاز جثامين الفلسطينيين لاستخدامها كورقة تفاوض أمر قانوني، فيما تتهم منظمات حقوقية إسرائيل باتباع الأسلوب نفسه مع المعتقلين الأحياء من غزة.

قالت تال شتاينر، المديرة التنفيذية للجنة “مناهضة التعذيب في إسرائيل”، إن ظروف احتجاز الفلسطينيين في جميع السجون الإسرائيلية كانت “مروّعة عن قصد”، مشيرةً إلى أن شهادات معتقلين حاليين وسابقين، إضافة إلى مسرّبين من الجيش الإسرائيلي، كشفت عن انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي.

غير أن سجن “ركيفت” يفرض شكلاً فريدًا من أشكال سوء المعاملة، إذ إن احتجاز أشخاص تحت الأرض من دون ضوء طبيعي لعدة أشهر متواصلة يخلّف “آثارًا نفسية بالغة”، بحسب شتاينر التي أضافت: “من الصعب جدًا أن يبقى الإنسان متماسكًا وهو يعيش في مثل هذه الظروف القمعية والقاسية.”

كما تمتد التأثيرات إلى الصحة الجسدية، إذ تؤدي العزلة التامة وغياب الضوء إلى اضطراب الإيقاع الحيوي اللازم للنوم، وتثبيط إنتاج فيتامين “د”. ورغم أن شتاينر تعمل محامية في مجال حقوق الإنسان، وتزور السجون في مجمّع الرملة الواقع جنوب شرق تل أبيب حيث يوجد سجن “ركيفت”، فإنها قالت إنها لم تسمع من قبل عن هذا السجن تحت الأرض قبل أن يأمر الوزير بن غفير بإعادة تشغيله.

تتطابق روايات المعتقلين مع المشاهد التي بثها بن غفير خلال زيارته المتلفزة للسجن، حيث قال مبتسمًا: “هذا هو المكان الطبيعي للإرهابيين — تحت الأرض.”

وقد تفاخر مرارًا بتشديد ظروف احتجاز الفلسطينيين، وهي تصريحات يرى مراقبون أنها شجّعت حماس على معاملة الرهائن الإسرائيليين بوحشية أكبر أثناء احتجازهم، في انعكاس مباشر لسياسات الاحتلال.

وتحذّر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من أن استمرار تعذيب الأسرى الفلسطينيين واستخدامهم كورقة مساومة قد يضر بالأمن القومي الإسرائيلي.

ويُذكر أن المحكمة العليا في إسرائيل أجازت عام 2019 احتجاز جثامين الفلسطينيين لاستخدامها في المفاوضات، فيما تتهم منظمات حقوقية إسرائيل بفعل الشيء نفسه مع المعتقلين الأحياء من غزة.

وأوضحت المحامية سجى مشرقي بارنسي إن الممرّض، وهو أب لثلاثة أطفال، لم يرَ ضوء النهار منذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم يسمع أي خبر عن عائلته.

وقالت: “عندما أخبرته أنني تحدثت إلى والدته، كان ذلك كأنه شعاع ضوء صغير في عتمته، فقط ليعرف أنها لا تزال على قيد الحياة.”

أما الشاب الآخر، فسألها عن زوجته الحامل، لكن الحارس قاطعه مهددًا قبل أن يُقتاد مجددًا إلى زنزانته. وبعد أيام قليلة، علمت المحامية أنه أُفرج عنه وأُعيد إلى غزة في 13 أكتوبر/ تشرين الأول.

وفي ردها على هذه الاتهامات، قالت مصلحة السجون الإسرائيلية (IPS) إنها “تعمل وفق القانون وتحت إشراف الجهات الرسمية”، مشيرة إلى أنها ليست مسؤولة عن سياسة الاعتقال أو تصنيف السجناء.

لكن وزارة العدل أحالت الأسئلة إلى الجيش الإسرائيلي، الذي بدوره أعادها إلى مصلحة السجون، في حلقة مغلقة من الإنكار الرسمي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى