ثاد.. الدرع الأمريكي الذكي في مواجهة التهديدات الصاروخية العالمية

بينما تتزايد التهديدات الصاروخية في العالم المعاصر، يبرز «ثاد» كواحد من أكثر أنظمة الدفاع الجوي «تطورًا وفاعلية» على مستوى العالم.
هذا النظام يمثل «نقلة نوعية» في مفهوم الاعتراض الصاروخي، بحسب مجلة ناشيونال إنترست، التي قالت إنه يعتمد على تقنية فريدة تتيح له تدمير الصواريخ المعادية دون الحاجة إلى رأس حربي متفجر، مستندًا إلى مبدأ “الاصطدام القاتل” (Hit-to-Kill) الذي يُحوّل طاقته الحركية الهائلة إلى قوة كافية لتفتيت الهدف بدقة عالية،
مفهوم “الاصطدام القاتل”: طاقة تفوق الانفجار
على نحوٍ غير معتاد، لا يحتوي صاروخ “ثاد” على رأسٍ حربي متفجّر. فبدلًا من تفجير الصاروخ القادم في الجو، يقوم النظام بتدمير الهدف عبر الاصطدام المباشر به بسرعات تتجاوز 8 ماخ – أي أكثر من ثمانية أضعاف سرعة الصوت.
وعندما يدخل الصاروخ الباليستي الغلاف الجوي في مسارٍ فائق السرعة، يُطلق “ثاد” صاروخًا اعتراضيًا يندفع نحوه ليصطدم به وجهًا لوجه، مولّدًا طاقة حركية ضخمة كافية لتدميره بالكامل.
تكمن أهمية هذه التقنية في تقليل خطر تفجير الحمولة النووية أو الكيميائية للصواريخ المهاجمة أثناء الاعتراض، مما يجعل النظام أكثر أمانًا من الناحية التشغيلية وأكثر نظافة من الناحية البيئية مقارنة بالأنظمة التقليدية التي تعتمد على التفجير الجوي.
هندسة فائقة بدقة مترية
طوّرت شركة لوكهيد مارتن نظام “ثاد” لصالح الجيش الأمريكي، ليكون درعًا متنقلًا للدفاع الصاروخي للمناطق عالية الارتفاع وقادرًا على اعتراض الصواريخ الباليستية خلال الثواني الأخيرة من مسارها نحو الهدف.
ويتألف النظام من أربعة مكونات رئيسية متكاملة:
- صواريخ اعتراضية ذات مرحلة واحدة تعمل بالوقود الصلب.
- رادار AN/TPY-2 المتطور القادر على الكشف وتتبع الأهداف على مسافات تمتد لمئات الكيلومترات.
- وحدة القيادة والتحكم والاتصالات التي تدير عمليات الكشف والإطلاق،
- منصات إطلاق متنقلة تحمل كل منها حتى ثمانية صواريخ جاهزة للإطلاق.
يعمل “ثاد” برادار إكس باند عالي القدرة يمكنه تتبّع الصواريخ الباليستية منذ لحظة دخولها المجال الجوي وحتى نقطة اعتراضها.
وبمجرد تحديد التهديد، يحسب مركز القيادة نقطة التقاطع المثلى ويصدر أوامر الإطلاق إلى الشاحنات المتنقلة، في عملية لا تستغرق سوى ثوانٍ معدودة.
تتيح هذه الهندسة المتقدمة للنظام التعامل مع الأهداف على ارتفاعات تصل إلى 150 كيلومترًا — أي قريب من حافة الفضاء – وبمدى عملياتي يبلغ نحو 200 كيلومتر.
منظومة متعددة
يشكّل “ثاد” الحلقة الوسيطة الحيوية في منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية متعددة الطبقات، إذ يملأ الفجوة بين الأنظمة قصيرة المدى وبعيدة المدى.
ففي المستوى الأدنى، يعمل بالتكامل مع منظومة باتريوت (Patriot) لاعتراض الأهداف في الارتفاعات المنخفضة،
وفي المستوى الأعلى، يتكامل مع أنظمة مثل إيجيس (Aegis BMD) والدفاع الصاروخي الأرضي (GMD) التي توفر حماية للمدى البعيد وفي الفضاء القريب.
وعند دمج هذه الأنظمة معًا، تمتلك الولايات المتحدة درعًا دفاعيًا متعدد المستويات يمنحها عدة فرص لاكتشاف وتعقّب واعتراض أي تهديد باليستي قبل أن يصل إلى هدفه — ما يجعلها من أكثر الدول تحصينًا ضد الهجمات الصاروخية المعقدة.
أداة ردع… وسلاح دبلوماسي

لا يقتصر دور “ثاد” على كونه نظامًا دفاعيًا، بل يُعد أيضًا أداة ردع استراتيجية ووسيلة نفوذ دبلوماسي فعالة.
فقد تم نشره في مواقع استراتيجية مثل غوام وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، مما عزّز قدرات الدفاع الجوي لحلفاء الولايات المتحدة وأرسل رسائل ردع واضحة للخصوم المحتملين.
تتميّز المنظومة بقدرتها العالية على النشر السريع بفضل اعتمادها على شاحنات متنقلة، ما يتيح للولايات المتحدة تعزيز وجودها الدفاعي في مناطق الأزمات دون الحاجة إلى بنية تحتية ثابتة.
كما يُستخدم “ثاد” كرمز سياسي وعسكري على حد سواء، إذ يرسّخ الروابط الدفاعية بين واشنطن وحلفائها، ويمنحهم شعورًا بالثقة في مظلّة الدفاع الأمريكية المشتركة التي تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الاستباقي في وجه التهديدات الصاروخية المتنامية.
كما يُعدّ نظام “ثاد” اليوم العمود الفقري للدفاع الصاروخي الأمريكي الإقليمي، ومن المرجّح أن يلعب دورًا رئيسيًا في مشروع “القبة الذهبية” الذي تحدث عنه الرئيس دونالد ترامب كدرع وطني شامل.
ومع تصاعد سباق التسلح الصاروخي عالميًا، يبدو أن “ثاد” لن يكون مجرد منظومة دفاعية فحسب، بل رمزًا للتفوّق التكنولوجي الأمريكي في ميدان الحرب الحديثة، يجمع بين الذكاء الاصطناعي، والدقة الفائقة، والمرونة العملياتية، ليشكّل خط الدفاع الأول في سماء القرن الحادي والعشرين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




