أسهم الذكاء الاصطناعي.. هل تصبح فقاعة الأسواق «العصرية»؟

بعد أشهر من الارتفاع الجنوني في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي، بدأت مؤشرات الخطر تلوح في أسواق المال العالمية.
في أسبوع واحد فقط، خسر مؤشر “ناسداك” التكنولوجي نحو 3% من قيمته، أي ما يعادل تريليون دولار تبخرت من السوق.
الضربة الأقسى جاءت من عملاق الرقائق الإلكترونية “إنفيديا”، الذي فقد ما يقارب 350 مليار دولار خلال أيام قليلة، ما أثار موجة قلق دفعت محللين بارزين للتحذير من سيناريو “كراش تقني” جديد، شبيه بما حدث خلال فقاعة الدوت كوم مطلع الألفية.
وقالت إذاعة “إر.إف.إي” الفرنسية، فإن أغلب الخبراء الذين كانوا يشاهدون ارتفاع أسهم شركات الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، لا يتحدثون اليوم إلا عن كلمة واحدة: الانهيار.
ولم يقتصر القلق على المستثمرين الأفراد، بل وصل إلى أكبر المؤسسات المالية في العالم، وعلى رأسها جي بي مورغان تشيس، مورغان ستانلي وغولدمان ساكس، والتي تموّل العديد من الشركات التقنية التي أنفقت مليارات في سباق الذكاء الاصطناعي.
وبعد أشهر من الارتفاع الجنوني لأسهم شركات الذكاء الاصطناعي، بدأ القلق يتعاظم في أسواق المال العالمية. فقد خسر مؤشر ناسداك التكنولوجي 3% في أسبوع واحد، أي ما يعادل تريليون دولار تبخرت من السوق.
من جانبها، قالت الدكتورة دومينيك جيجان، أستاذة الاقتصاد المالي والتمويل الرقمي في جامعة باريس 1 بانثيون سوربون لـ”العين الإخبارية”، إن ما يحدث في أسواق التكنولوجيا اليوم “لا يمكن اعتباره تذبذبًا طبيعيًا”، بل هو “إشارة واضحة إلى اختلال ميزان التقييم المالي”.
وأوضحت جيجان أن خسارة نحو تريليون دولار خلال أسبوع واحد، وانهيار قيمة شركات مثل “إنفيديا” بمئات المليارات في أيام قليلة، ليست حركة صحية داخل السوق، مضيفة: “هذا انعكاس لانفصال شبه تام بين التوقعات المستقبلية للشركات والنتائج الاقتصادية الفعلية على الأرض.”
وأضافت الباحثة الفرنسية أن الذكاء الاصطناعي يبقى تقنية ثورية ذات مستقبل كبير، لكن المشكلة ليست في التكنولوجيا نفسها، بل في الطريقة التي تُقيّم بها الشركات: “نحن أمام أسعار تُبنى على وعود مستقبلية، لا على أرباح حقيقية، وهذا ما يغذي الفقاعة”.
وفسرت جيجان أسباب تضخم أسعار شركات الذكاء الاصطناعي بثلاث نقاط رئيسية؛ أولها تضخيم التوقعات، حيث تُمنح الكثير من الشركات تقييمات خيالية اعتمادًا على ما يُتوقع أن تحققه بعد سنوات، لا على ما تحققه الآن، موضحة أن دخول الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وأمازون وميتا في سباق استثماري ضخم، دفع المستثمرين والمؤسسات المالية إلى ضخ الأموال خشية خسارة “القطار التكنولوجي”. أما السبب الثالث، فهو كُلفة البنية التحتية، إذ تحتاج مراكز البيانات والخوادم والرقاقات المتطورة إلى مليارات الدولارات، بينما يحتاج العائد إلى سنوات طويلة كي يظهر.
وأشارت الباحثة الفرنسية إلى أن هذه العوامل تجعل السوق هشّة أمام أي هزات، قائلة: “عندما تكون نسب السعر إلى الأرباح مبالغًا فيها، تصبح الأسهم شديدة الحساسية لأي خبر سلبي، وهذا ما يجعل الهبوط متسلسلًا ومتسارعًا.” كما حذرت من تأثير ذلك على البنوك الممولة للشركات التقنية، والتي قد تواجه مخاطر ائتمانية إذا استمرت الخسائر بالاتساع.
وفيما يخص السيناريوهات المحتملة إذا انفجرت الفقاعة، قدمت جيجان ثلاث احتمالات؛ أولها تصحيح مؤلم لكنه محدود، تعود فيه الأسعار إلى مستوى أكثر منطقية بينما تبقى الشركات القوية ذات الربحية الواضحة صامدة.
أما السيناريو الثاني فهو كراش واسع، قد يطال الشركات الناشئة والضعيفة، وربما يؤدي إلى موجات اندماجات، وحتى حالات إفلاس، لافتة إلى أن هذا الاحتمال يتصاعد في حال امتدت الخسائر إلى القطاع المصرفي.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في مرحلة نضج جديدة، تخرج خلالها الشركات غير القابلة للاستمرار من السوق، بينما تستمر المشاريع القادرة على تحقيق مردود فعلي، وهو ما قد يؤدي ـ على المدى البعيد ـ إلى سوق أكثر صحة وواقعية.
وقالت جيجان إن التصحيح المحتمل لن يقتصر على أسهم التكنولوجيا، بل قد يمتد إلى سوق العملات الرقمية: “عادةً ما تتأثر الأصول عالية المخاطر معًا في فترات الذعر، وقد تشهد منصات العملات المشفّرة ضغطًا كبيرًا على السيولة، خصوصًا تلك التي تعتمد على الإقراض أو الرافعة المالية.”
كما توقعت أن يدفع ذلك الجهات التنظيمية حول العالم إلى تشديد الرقابة على التمويل التكنولوجي والرهانات المضاربية.
وأكدت جيجان أن حدوث انهيار -إن وقع- لن يمحو الذكاء الاصطناعي من الوجود، قائلة: “كما لم يختفِ الإنترنت بعد فقاعة الدوت كوم، لن يتبخر الذكاء الاصطناعي. التكنولوجيا ستبقى، لكن الشركات غير القادرة على تحقيق ربح واقعي ستسقط.”
وتابعت: “الأسواق تحتاج تصحيحًا يعيد ربط القيم السوقية بالأرقام الحقيقية، ويضع حدًا للمضاربة غير الصحية. قد يكون التصحيح مؤلمًا على المدى القصير، لكنه الطريق نحو اقتصاد تكنولوجي أكثر توازنًا وواقعية”.
من جهته، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي محاولاً تهدئة الأسواق: “لا، لا.. أنا أحب الذكاء الاصطناعي. سيكون مفيدًا للغاية، وسوف نفعل به الكثير من الأشياء!”
لكن حتى تطمينات ترامب لم تقنع الجميع، إذ إن المستثمر الشهير مايكل بيري، الذي توقع أزمة الرهن العقاري عام 2008 – وضع رهانًا بقيمة مليار دولار على انهيار شركات الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن ما يحدث لا يعني نهاية الذكاء الاصطناعي – الذي يُعد ثورة تقنية شبيهة بالإنترنت، إلا أن الأسواق تتجه، وفق خبراء البورصة، نحو تصحيح قاسٍ، لأن تقييم الكثير من شركات الذكاء الاصطناعي لا يعكس أرباحها الحقيقية.
ومن الأمثلة اللافتة شركة OpenAI (مالكة ChatGPT)، والتي تقدر قيمتها بـ 500 مليار دولار رغم أنها ما زالت تسجل خسائر. كما أن الاستثمارات الضخمة في الخوادم ومراكز البيانات ستحتاج سنوات طويلة لتصبح مربحة.
ووفق تقرير لمؤسسة Gartner، من المتوقع أن تستثمر الشركات حول العالم ما يقارب 1.500 مليار دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي هذا العام وحده.
خطر تسريح العمال
قد يؤدي أي انهيار إلى اختفاء شركات تقنية كبرى أو دمجها مع منافسين أقوى. بالفعل بدأت موجات التسريح داخل عمالقة التكنولوجيا: ميتا: 21.600 وظيفة، ومايكروسوفت: 26 ألف وظيفة، وجوجل (Alphabet) 13 ألف وظيفة، وآبل: 800 وظيفة.
متى قد يحدث الانهيار؟
لا يمكن الجزم بأن الانهيار سيقع هذا الأسبوع. مراقبة الأسواق مستمرة، لكن الكراش لا يحدث في يوم واحد. فحتى “الخميس الأسود” عام 1929 استغرق 22 يوماً من الانهيارات المتتالية.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من الربع الأخير من السنة، حيث شهد أكتوبر/تشرين الأول 1929، أكتوبر/تشرين الأول 1987، وسبتمبر/أيلول 2008 أعنف الانهيارات في تاريخ الأسواق.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




