اسعار واسواق

انشقاقات تهز القاعدة باليمن.. التنظيم على حافة الاقتتال الداخلي


تهتزّ بنية تنظيم القاعدة في اليمن على وقع انشقاقات غير مسبوقة تهدد تماسكه الداخلي، بعدما خرج قادة بارزون ببيانٍ صادم يتهم القيادة الحالية بالانحراف وارتكاب «مظالم» تستوجب التحاكم الشرعي.

ومع مهلة لا تتجاوز عشرة أيام للرد، تتجه الأزمة داخل التنظيم نحو منعطف خطير قد يفتح الباب لاشتباكات داخلية تكشف حجم التآكل الذي يضرب أحد أخطر فروع القاعدة في المنطقة.

وأصدر عددٌ من القادة والمشايخ المنشقين عن التنظيم بيانًا شديد اللهجة اتهموا فيه تنظيم القاعدة ضمنيًا بالانحراف عن مبادئه و«تسييس» المحاكم، داعين التنظيم للاحتكام إلى «محكمة مستقلة» على خلفية الجرائم والفساد والخلافات الداخلية.

ويرى مراقبون أن بيان انشقاق هذه القيادات «لا يمثل مجرد خلاف عابر، بل يُعد مؤشرًا على التآكل الداخلي للقيادة الحالية للتنظيم وهشاشة بنيته الداخلية».

مهلة أخيرة

فالبيان الموقع من 4 أعضاء منشقين عن تنظيم القاعدة، بينهم الشيخ سند الوحيشي شقيق أبو بصير الوحيشي مؤسس وزعيم التنظيم الأول في جزيرة العرب، فضلًا عن عددٍ من الأمراء والمشايخ الذين رفض البيان الكشف عن أسمائهم «لأسباب أمنية»، دلّل على وجود جناح كبير وخطير مناهض للتوجهات الحالية لقادة التنظيم.

وأرجعت القيادات المنشقة قرارها إلى رؤيتها «أمورًا لا يسعنا السكوت عنها»، داعية قيادة تنظيم القاعدة للنزول إلى «محكمة شرعية مستقلة» للتحكيم «فيما وقع بيننا وبينكم من قضايا ومظالم».

ومنح البيان تنظيم القاعدة مدة أقصاها 10 أيام، محذرًا إياه من «تحمل المسؤولية»، في إشارة تهديد صريحة تنذر باقتتال داخلي بين أعضاء وقيادات التنظيم.

وتحت الضغط والتخبط، دفع تنظيم القاعدة بجهازه الإعلامي «الريف» للرد على بيان المنشقين، وزعم أنه ليست هناك انشقاقات جديدة وأن «ما جرى ليس سوى إعادة تدوير لأسماء قديمة خرجت من التنظيم منذ سنوات».

خبراء يمنيون تحدثوا لـ«العين الإخبارية» أكدوا أن بيان المنشقين كشف أن التنظيم «يمر بأسوأ موجة خلافات بينية، وهي ربما أشد أزمة داخلية تعصف بالتنظيم وتهدد كيانه»، مشيرين إلى أن الوجع «في هذه الأزمة داخلي»، وتعد امتدادًا لأزمة الجواسيس داخل القاعدة.

فما هي أزمة الجواسيس؟

تعليقًا على ذلك، قال الباحث اليمني في شؤون الجماعات الإرهابية سعيد الجمحي إن أزمة الانشقاقات ليست فردية، وإنما أزمة وتحدٍ جماعي للقاعدة، وإن هناك انشقاقات داخلية وانقسامات يقودها قياديون ظهرت نتيجة خلافات جوهرية تتمحور حول الأعراض والدماء وغيرها من «مظالم» كما سمّاها بيان المنشقين.

وأوضح الجمحي لـ«العين الإخبارية» أن «تنظيم القاعدة استطاع تجاوز الكثير من الأزمات والتحديات بما في ذلك ضربات الطائرات المسيّرة وحملات عسكرية، بالإضافة لظهور داعش الذي جذب الكثير من عناصر القاعدة وقلّص نفوذها، لكنه ظل متماسكًا».

لكن الأزمة الحالية – بنظر الجمحي – هي الأخطر، كون «أزمة الانشقاقات الداخلية ناجمة عن خلافات جوهرية في سياسة القاعدة وتعاملها مع مشكلة الجواسيس. وهذه المشكلة خُلقت نتيجة سلسلة اغتيالات طالت قيادات التنظيم وأبرز مُنظّريه».

وقال: «نحن نعلم أنه منذ أواخر 2018 بدأت هواجس الاختراقات الداخلية، أعقبها إصدار التنظيم سلسلة من الإصدارات بعنوان هدم الجاسوسية يؤكد فيها قدرته على كشف العناصر المتسللة، وأظهر اعترافات لمن تم القبض عليهم بتهمة الخيانة».

وأضاف أن «تنظيم القاعدة كان حريصًا على أن يظهر نفسه منتصرًا من خلال الكشف عن هذه العناصر، لكن تلك الاعتقالات والاعترافات لم تكن مقنعة للعناصر الداخلية، إذ أفرزت مشكلة الجواسيس مشكلة أكبر وأعمق».

وبحسب الجمحي فقد شملت الاتهامات «عناصر قديمة، وليس جديدة، بما في ذلك قيادات مثل أبو عمر النهدي الذي انفرد بأول مجموعة انشقاقية، وهو الذي أشار إليه البيان الأخير بالطرف الثاني، ولم يستجب التنظيم لحل الخلافات بينه وبين هذه المجموعة».

ولم يكن النهدي قياديًا عاديًا، وإنما أدار التنظيم في المكلا إبان سيطرة القاعدة على أجزاء من حضرموت عام 2016، وهو مَن أقنع آنذاك أمير التنظيم أبو هريرة قاسم الريمي ببراءة المتهمين بـ«التجسس» قبل أن تضعه القاعدة في دائرة الاتهام ويعلن اعتزاله عام 2019.

ووفقًا للجمحي، فإن «مشكلة النهدي الذي انعزل مع مجموعته لم تظهر إلى السطح كما هي الآن، وكانت عبارة عن بيانات، ولم تشكل خطوة داخل التنظيم كما هو حال البيان الأخير للقيادات المنشقة».

وأوضح أن «البيان الأخير يطالب بالتحاكم، ويضم عددًا كبيرًا من السابقين والعناصر، وهي مشكلة ليست خلافًا عابرًا أو مجرد وجهات نظر، وإنما تتعلق بالدماء والحقوق، وهي مظالم، ونرى أن البيان بلهجة شديدة وسقف زمني محدد».

كما اعتبر أن رفض التنظيم «هو رفض صريح للنزول لحكم الشريعة، وبه تلمّح المجموعة لتكفير التنظيم، وهي نفس التهمة التي وجّهها التنظيم لمن هم خارجه».

وأضاف: «جاء من داخل التنظيم من يقول لقياداته: أنتم لم تقبلوا حكم الشريعة، وحمّلهم المسؤولية في اتهام صريح بعدم التزام التنظيم بالحكم الشرعي».

وأكد الجمحي أن «تنظيم القاعدة لم يستطع ضبط ردة فعله تجاه مشكلة الجواسيس، التي كان يسوقها كنجاحات، ولم يقنع ذلك العناصر الداخلية وقياداته، الذين كشفوا أن هذه الاعترافات تمت تحت الضغط وليست حقيقية، وأنها ملفقة».

وأضاف أن «الإعدامات التي نفذها التنظيم بحق من يسمّيهم الجواسيس أدت لانتشار الخوف وسط أعضائه، وأوقفت عمليات الاستقطاب، وخلقت مشكلة خطيرة داخل البنية التنظيمية، وجعلت الكثيرين يتجهون لمغادرته، وقد غادر بالفعل الكثير ولجأوا لحماية قبائلهم».

نذر اقتتال داخلي

يعتقد الجمحي أن «البيان الأخير يحمل تنظيم القاعدة المسؤولية عن التبعات المترتبة، وينذر بالوصول إلى اقتتال داخلي وليس مجرد انقسام أو اختلاف وجهات نظر».

وأكد: «لقد وصل الحال داخل التنظيم إلى انعدام الثقة، أفرزته مشكلة الجواسيس، وعدم التعامل معها بحكمة، ويكاد يصل إلى مستوى القتال الداخلي».

وكان بيان المنشقين قد أشار إلى وجود مظالم، وأن «على المظلوم أخذ حقه من الظالم»، ويبدو – بحسب الجمحي – أن التنظيم «سيكتوي بالنار نفسها التي كان يوجهها لخصومه غير التابعين له».

وطبقًا للباحث اليمني، فإن «تنظيم القاعدة يعاني من هزيمة داخلية ليست على نمط الهزائم السابقة، وهي هزيمة ربما تؤدي إلى تآكله واقتتال داخلي محتوم».

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى