«بوابة نفوذ وتغلغل».. خبير دولي يحذر من «تسلل» الإخوان للرياضة بفرنسا

مخاوف متصاعدة في فرنسا حول محاولات توظيف الرياضة كمساحة نفوذ أيديولوجي بعدما كشفت نقاشات سياسية وأمنية عن سعي شبكات مرتبطة بفكر الإخوان للتموضع داخل الأندية الصغيرة والفضاءات الشبابية.
وفي هذا الإطار كشف خبير الجيوسياسية الرياضية أوليفييه جاروز في حوار لـ«العين الإخبارية» أن «الأندية الصغيرة والهياكل الرياضية ضعيفة الموارد قد تشكل الثغرة الأكبر، كونها الأكثر قابلية للاختراق عبر التمويل أو النفوذ الإداري».
وحذّر جاروز، وهو مستشار استراتيجي لعدد من الحكومات والهيئات الأوروبية وعضو هيئة التدريس في مدرسة جنيف للدبلوماسية والعلاقات الدولية، من أن «الساحة الرياضية في فرنسا وأوروبا قد تتحول إلى مجال محتمل لنفوذ جماعات أيديولوجية، وعلى رأسها التيارات ذات المرجعية الإخوانية، في حال غابت الرقابة الصارمة وآليات الشفافية».
وأكد في حديثه أن «القلق لا يكمن في وجود محاولات معزولة للتأثير داخل الوسط الرياضي، بل في هشاشة بعض البنى الرياضية الصغيرة التي قد تصبح مدخلًا سهلًا لأي جهة تسعى لاختراقها».
وقال: «النفوذ الأيديولوجي لا يعمل في العلن، بل يتسلل تدريجيًا عبر التمويل، أو النفوذ الإداري، أو تقديم خدمات اجتماعية موازية تُستخدم لاستقطاب فئات شبابية».
وأضاف أن النظام الفرنسي يمتلك أدوات رقابية قوية، لكنه بحاجة إلى يقظة مستمرة، لأن الجهات الأيديولوجية — وعلى رأسها المحسوبة على الإخوان — تستفيد من الثغرات التنظيمية والاقتصادية في الأندية ضعيفة الموارد.
وتعد الرياضة، بحكم انتشارها الاجتماعي ووصولها المباشر إلى فئات عمرية صغيرة، تُعد أحد الفضاءات التي يُخشى استغلالها من قِبل جماعات تحمل دوافع أيديولوجية أو مشاريع سياسية دينية، ما يجعلها إحدى ساحات المتابعة الدقيقة من السلطات الفرنسية.
وإلى نص الحوار:
في فرنسا، يتجدد الجدل حول احتمال وجود نفوذ لشبكات قريبة من تيارات الإسلام السياسي، ومنها مجموعات تُنسب إلى فكر الإخوان داخل الوسط الرياضي. كيف تقيمون هذه الظاهرة؟
الرياضة يمكن أن تصبح، في بعض الحالات، وسيلة تأثير لحركات ذات طابع أيديولوجي أو ديني، لأنها توفر وصولًا مباشرًا للشباب والجمعيات المحلية ومساحات اجتماعية يصعب اختراقها بطرق أخرى. وهذا التأثير «يبقى محدودًا ومؤطرًا بقوة» في الدول التي تمتلك منظومات قانونية صلبة مثل فرنسا وسويسرا.
وكثير من الأندية الأوروبية تأسس تاريخيًا على خلفيات دينية، خصوصًا من جانب الكنائس، بهدف توفير فضاءات تعليمية واجتماعية للشباب. ومع مرور الزمن، حاولت أطراف مختلفة تعزيز حضورها عبر تمويل نوادٍ أو شغل مواقع إدارية أو استخدام شهرة الفرق لتمرير رسائل محددة.
وفي الحالة السويسرية، يعمل النظام الرياضي ضمن منطق حياد الدولة وعدم التمييز، وبنية فيدرالية تمنح البلديات والكانتونات دورًا أساسيًا في إدارة الجمعيات. واستفاد كثير من الفاعلين — سواء دول أو جماعات خاصة — من البعد الاجتماعي للرياضة لتوسيع حضورهم عبر التمويل أو التنظيم أو النفوذ الإداري.
هل توجد مخاطر فعلية لعملية «تغلغل الإخوان» داخل الأندية الفرنسية اليوم؟
نعم، توجد مخاطر لكنها غير معممة، وتتركز خصوصًا داخل الأندية الصغيرة ضعيفة التمويل والمعتمدة على متطوعين محدودين، والتي تفتقر إلى التدريب الإداري الذي يحميها من الانحرافات. وهنا يمكن أن تظهر محاولات التأثير أو التوظيف السياسي أو الأيديولوجي.
وهذه الثغرات قد تستغلها جهات تحمل مشاريع أيديولوجية أو سياسية. وهذا لا يعني إطلاقًا أن الساحة الرياضية مخترقة، بل يجب تقييم كل حالة وفق معايير قانونية واضحة. والغالبية العظمى من النشاط الرياضي في فرنسا نظيف وشرعي ويقوم بدور اجتماعي إيجابي.
وأوضح جاروز أن الفصل بين العمل المجتمعي الإيجابي وبين الاستغلال السياسي أو الأيديولوجي يُقاس باحترام القانون، وشفافية التمويل، وغياب التبشير، ووجود مشروع رياضي واضح يتقدم على أي هدف آخر.
كيف يبدو المشهد من منظور جيوسياسي عالمي؟
استخدام الرياضة كأداة نفوذ ليس جديدًا، بل هو ظاهرة تاريخية؛ من انتشار الفنون القتالية الآسيوية في أوروبا منذ ستينات القرن الماضي، إلى توظيف الاتحاد السوفياتي للرياضة كأداة دعاية، وصولًا إلى الجدل الحالي في أوروبا حول شبكات فنون قتالية مدعومة من روسيا مثل السامبو والسيستيما وبعض تيارات الـMMA.
وأشار إلى أن الرياضة أصبحت اليوم نقطة تلاقي بين السياسة والقوة الناعمة وصورة الدول، وهو ما يجعلها مجالًا حساسًا أمام محاولات التأثير الخارجي.
ما الذي يجب على السلطات الفرنسية فعله لمواجهة أي نفوذ أيديولوجي محتمل؟
يؤكد جاروز أن المطلوب هو تعزيز مرونة النظام الرياضي عبر تدريب المسؤولين المحليين، وتنويع مصادر تمويل الأندية، ودعم المشاريع التي ترتكز على القيم الجمهورية والاندماج، مع الحفاظ على يقظة هادئة ومتوازنة تستند إلى حقائق مثبتة لا إلى مخاوف عامة.
ويضيف أن الهدف ليس شيطنة الأنشطة الدينية أو الثقافية، بل ضمان أَلّا يتحول أي نشاط رياضي إلى قناة أيديولوجية غير شفافة أو غير قانونية.
كما شدد على ضرورة أن يستند النقاش حول نفوذ الإخوان أو غيرهم داخل الرياضة إلى أدلة ودراسات ورقابة فعّالة، لا إلى خطابات إنشائية.
ورغم وجود ثغرات، يرى جاروز أن البنية القانونية الفرنسية تجعل تحويل الرياضة إلى منصة تأثير أمرًا صعبًا، شرط استمرار اليقظة والتعاون بين الدولة والأندية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




