اسعار واسواق

اليابان تعبر باب الدفاع الأوروبي.. «SAFE» مشروع الردع المستقبلي


في تحول غير مسبوق لمفهوم الدفاع الأوروبي، تجاوز النقاش داخل بروكسل حدود القارة ليشمل شريكًا بعيدًا في آسيا.

برنامج SAFE العسكري، بقيمة 150 مليار يورو، لا يقتصر على شراء الأسلحة، بل يسعى إلى إعادة بناء منظومة دفاعية متكاملة، تعتمد على الإنتاج الداخلي والتحالفات متعددة الأطراف، في وقت تتصاعد فيه التهديدات الأمنية وتضعف المظلة الأمريكية التقليدية.

وفي هذا السياق، تبرز اليابان كطرف محتمل في شبكة الدفاع الجديدة، ما يعكس إدراكًا مشتركًا بأن الأمن لم يعد قضية إقليمية، بل معادلة كونية مترابطة.

ومع تمويل ضخم وإعادة تعريف السيادة الدفاعية، يتحول SAFE إلى مشروع استراتيجي لإعادة هندسة الأمن الأوروبي، يربط بين الصناعات العسكرية والسياسة، ويتيح لأوروبا التحكم في قدراتها ومكوناتها الحساسة، مع فتح الباب أمام شراكات عابرة للقارات.

وفي ظل هذه الرؤية، لم تعد التحالفات مجرد اتفاقيات جغرافية، بل تقاطع مصالح ومخاطر مشتركة، بينما تتقارب أوروبا وآسيا في مواجهة تحديات متسارعة، لتصبح منظومة SAFE حجر الزاوية لمستقبل الردع الأوروبي.

فماذا يعني ذلك؟

قال الخبير الأمني الأوروبي جون برنارد بيناتل في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن برنامج SAFE يمثل تحولًا جذريًا في فلسفة الدفاع الأوروبية، مضيفًا: «الاتحاد الأوروبي لم يعد يخطط فقط للدفاع عن نفسه داخل حدوده، بل يسعى إلى بناء منظومة ردع صناعية وعسكرية قادرة على الصمود في عالم متعدد الأزمات».

وأكد بيناتل أن رغبة اليابان في الانضمام تعكس إدراكًا مشتركًا بأن «التحديات الأمنية لم تعد إقليمية، وأن سلاسل التسليح والتحالفات يجب أن تكون عابرة للقارات».

وفيما أشار إلى أن نجاح SAFE سيعتمد على الإرادة السياسية للدول الأعضاء، وليس فقط على الأدوات المالية، رأى أنه بين تمويل ضخم، وتوسيع الشراكات، وإعادة تعريف السيادة الدفاعية، لا يبدو برنامج SAFE مجرد آلية لشراء الأسلحة، بل مشروعًا لإعادة هندسة الأمن الأوروبي.

وأضاف: “أما فيما يتعلق بانفتاح أوروبا على اليابان، فيؤشر إلى مرحلة جديدة من التقارب الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، في عالم لم يعد فيه الأمن شأنًا إقليميًا، بل معادلة كونية مترابطة”.

كما اعتبر بيناتل أن هذا الانفتاح يعكس تحولًا عميقًا في التفكير الاستراتيجي الأوروبي، حيث لم تعد الشراكات الدفاعية مسألة جغرافية، بل تقاطع مصالح ومخاطر مشتركة في عالم تتسارع فيه الأزمات.

من دفاع أوروبي لشبكة ردع

وقالت محطة «بي إف إم» الفرنسية إن إقرار برنامج SAFE في 27 مايو/أيار الماضي لم يكن مجرد خطوة تقنية لتسهيل الشراء المشترك للأسلحة، بل جاء تتويجًا لنقاشات طويلة داخل الاتحاد الأوروبي حول الاستقلال الاستراتيجي.

ومع ظهور اليابان كشريك مهتم بالانضمام، يتضح أن بروكسل لم تعد تفكر في أمنها بمعزل عن شركاء يواجهون تهديدات مشابهة في مناطق أخرى من العالم.

فبينما تواجه أوروبا تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية واستنزاف مخزوناتها العسكرية، تجد اليابان نفسها في مواجهة بيئة أمنية متوترة في شرق آسيا، مع تصاعد النفوذ العسكري الصيني والتهديدات الكورية الشمالية.

المحطة الفرنسية أشارت إلى أن هذا التقاطع في التحديات يفسر التقارب المتسارع ويفتح الباب أمام إعادة تعريف مفهوم الأمن الجماعي خارج الإطار الأطلسي التقليدي.

ورأت المحطة أن برنامج SAFE لا يعد مجرد أداة تمويل دفاعي، بل منصة سياسية–صناعية تسعى من خلالها بروكسل إلى إعادة هندسة منظومة الأمن الأوروبي.

فالبرنامج، الذي أطلق ضمن خطة “الاستعداد 2030″، يهدف إلى:

  • تحفيز الإنتاج الدفاعي داخل القارة
  • سد النقص الحاد في الذخائر والقدرات العسكرية الذي كشفته الحرب الأوكرانية
  • تقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين
  • تسريع التسلح عبر الشراء الجماعي.

آلية التمويل

ويمنح SAFE قروضًا طويلة الأمد قد تصل إلى 45 عامًا، مع فترة سماح لعشر سنوات، مستفيدًا من التصنيف الائتماني المرتفع للمفوضية الأوروبية، ما يخفف الأعباء المالية عن الدول الأعضاء ويمنحها هامش تحرك أوسع في مواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة.

ويقوم البرنامج على مبدأ «الأفضلية الأوروبية»، الذي يشترط أن يكون 65% من قيمة أي منظومة تسليح ممولة عبر SAFE منتجًا داخل الاتحاد الأوروبي أو في أوكرانيا، أو ضمن دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية، مقابل 35% فقط من دول ثالثة.

غير أن هذا السقف يظل مرنًا، إذ يتيح للدول غير الأعضاء تجاوزه شريطة إبرام شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد، وهو ما قامت به اليابان بالفعل.

هذا الترتيب لا يعكس فقط انفتاحًا محسوبًا على شركاء خارجيين، بل يكشف عن رغبة أوروبية في بناء شبكة دفاعية متعددة الأطراف، تتجاوز منطق التحالفات التقليدية، وتؤسس لتكامل صناعي–عسكري عابر للقارات.

أما دوافع هذا التحول، فهي تتجاوز البعد المالي إلى رهانات سيادية صريحة، إذ يشدد SAFE على ما تسميه بروكسل “سلطة التصميم”، أي التحكم الأوروبي في البرمجيات والمكونات الحساسة لمنع أي تعطيل خارجي محتمل، وتفادي سيناريو “زر الإيقاف” الذي تخشاه أوروبا في بعض الأنظمة المستوردة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى