اسعار واسواق

وعد بتغيير جذري.. هذا ما أنجزه ترامب في أول أعوام ولايته الثانية


واضعًا نصب عينيه إعادة توجيه بوصلة الولايات المتحدة بعيدًا عن سياسات سلفه، تعهد دونالد ترامب في مستهل ولايته الثانية باتخاذ حزمة قرارات تحقق له هذا الغرض.

وبعد مرور عام على توليه المنصب، بات واضحًا أن هذه التعهدات لم تبقَ حبيسة الخطاب الانتخابي، بل تحولت إلى حزمة واسعة من الإجراءات التي أحدثت تحولات عميقة ومثيرة للجدل، داخليًا وخارجيًا، ودَفعت البلاد إلى مرحلة جديدة من الاستقطاب السياسي والمؤسسي، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.

الهجرة

منذ الأيام الأولى، جعل ترامب ملف الهجرة حجر الزاوية في أجندته السياسية. ولم تقتصر سياسات إدارته على تشديد القيود على الهجرة غير الشرعية، بل امتدت لتشمل الهجرة الشرعية أيضًا.

وبفضل أوامر تنفيذية صارمة وضغوط دبلوماسية مكثفة على المكسيك، تراجعت أعداد العابرين غير النظاميين للحدود الجنوبية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ سجلت دوريات الحدود أقل من 10 آلاف عبور غير قانوني شهريًا، وهو أدنى مستوى منذ عقود.

ورغم تصعيد حملات الترحيل، لم تتمكن الإدارة من بلوغ الهدف الذي وضعته لنفسها. فبحسب تحليل لبيانات حكومية أجرته «نيويورك تايمز»، رحّلت الإدارة نحو 500 ألف مهاجر حتى الآن هذا العام، أي أقل بكثير من المليون الذي سعت إليه، كما أظهرت البيانات أن نسبة كبيرة من المعتقلين لا يملكون سجلات جنائية.

وفي الوقت نفسه، شددت الإدارة القيود على اللجوء وقلّصت برنامج استقبال اللاجئين إلى أدنى مستوياته تاريخيًا، مع منح أولوية مثيرة للجدل لفئات محددة، فيما عكس توجهًا سياسيًا واضحًا لإعادة تعريف من يُسمح له بدخول الولايات المتحدة.

الموظفون الفيدراليون

بالتوازي مع ذلك، شنّ ترامب حملة واسعة على الجهاز الحكومي تحت شعار تفكيك ما يسميه «الدولة العميقة». وتُرجم هذا الشعار إلى عمليات تطهير غير مسبوقة داخل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، شملت إقالة كبار المسؤولين والمدعين الذين ارتبطت أسماؤهم بتحقيقات سابقة طالت الرئيس.

كما قلّصت الإدارة الحماية القانونية للخدمة المدنية، ما فتح الباب أمام موجات تسريح جماعي «أفرغت مؤسسات حكومية من كوادرها»، في خطوة رأى منتقدون أنها تقوّض مبدأ حياد الإدارة العامة.

ورغم توسيع قدرات الحكومة على إنفاذ قوانين الهجرة، انعكس هذا النهج «سلبًا على جودة عدد من الخدمات العامة الأساسية، من الاستجابة للكوارث إلى أبحاث الصحة العامة»، بحسب الصحيفة الأمريكية.

التجارة

في المجال الاقتصادي، قلب ترامب نظام التجارة العالمي رأسًا على عقب، عبر فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على شركاء تجاريين رئيسيين، من كندا والمكسيك إلى الصين وعشرات الدول الأخرى.

وبرر الرئيس هذه الخطوات بأنها تهدف إلى إعادة الوظائف الصناعية إلى الداخل الأمريكي، غير أن نتائجها جاءت متباينة؛ إذ تسببت في اضطراب الأسواق وارتفاع الأسعار، بينما لم تظهر مؤشرات واضحة على انتعاش صناعي واسع النطاق.

خفض الأسعار وتكاليف المعيشة

أما على صعيد القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، فقد اصطدمت وعود ترامب بخفض الأسعار سريعًا بواقع اقتصادي أكثر تعقيدًا.

فرغم تسجيل نمو اقتصادي ملحوظ، ظل التضخم مرتفعًا، واستمرت أسعار السلع الأساسية والإسكان عند مستويات تضغط على الأسر الأمريكية.

وحاولت الإدارة التخفيف من هذه الأعباء عبر خفض بعض الرسوم الجمركية والضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، إلا أن النتائج بقيت محدودة، وسط انتقادات واسعة لمقترحات مثل الرهون العقارية طويلة الأجل، التي اعتُبرت حلولًا شكلية لأزمة إسكان هيكلية.

مكافحة المخدرات

في ملف مكافحة المخدرات، تبنت إدارة ترامب نهجًا غير مسبوق من حيث عسكرة المواجهة، إذ صنّفت كارتلات المخدرات كمنظمات إرهابية، ومنحت الجيش الضوء الأخضر لاستهداف قوارب يُشتبه في تهريبها للمخدرات في المياه الدولية.

وأثارت هذه العمليات، التي أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص، جدلًا قانونيًا وأخلاقيًا واسعًا، لا سيما مع تشكيك خبراء القانون الدولي في الأساس القانوني لاعتبار الاتجار بالمخدرات «نزاعًا مسلحًا». وتفاقمت الانتقادات مع منح ترامب لاحقًا عفوًا لشخصيات سياسية أدينت بجرائم مرتبطة بتهريب المخدرات.

الحروب واستخدام القوة

خارجيًا، سعى ترامب إلى تقديم نفسه بوصفه صانع سلام، فكان له دور في التوصل إلى هدنة هشة في غزة، لكنه لم ينجح في الوفاء بوعده بإنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة.

ورغم حديثه المتكرر عن تسوية صراعات متعددة، أظهرت الوقائع أن كثيرًا من هذه النزاعات استمر أو تجدد، فيما أثارت قراراته العسكرية، بما في ذلك الموافقة على ضرب مواقع إيرانية، مخاوف من اتساع رقعة الصراع في المنطقة.

داخليًا، كسر ترامب محرمات راسخة باستخدام القوات الفيدرالية في شوارع المدن الأمريكية، إذ نشر الحرس الوطني ومشاة البحرية في لوس أنجلوس ومناطق أخرى لقمع الاحتجاجات ومكافحة الجريمة والهجرة، متجاوزًا اعتراضات حكام الولايات.

ورغم أن بعض هذه الخطوات واجهت طعونًا قضائية وقرارات بإنهائها، فإنها، بحسب منتقديه، أسست لـ«سابقة خطيرة في تطبيع عسكرة الفضاء المدني».

العدالة والثقافة والسلطة

كما أوفى ترامب بتعهده بتسخير وزارة العدل ضد خصومه السياسيين، مستخدمًا السلطة التنفيذية بصورة مباشرة للتأثير في مسار التحقيقات والملاحقات القضائية، فيما اعتبره كثيرون خروجًا صارخًا على تقاليد ما بعد ووترغيت القائمة على استقلالية وزارة العدل.

وعلى الصعيد الثقافي والاجتماعي، شنّ الرئيس حملة شاملة ضد برامج التنوع والإنصاف والإدماج، مستهدفًا الجامعات والمؤسسات الفيدرالية والشركات الخاصة، في خطوات رأى أنصاره أنها تصحيح لمسار ثقافي، بينما عدّها معارضوه تقويضًا لمكتسبات الحقوق المدنية.

في المحصلة، لم يكن العام الأول من ولاية ترامب الثانية مجرد سلسلة من السياسات المتفرقة، بل مشروعًا متكاملًا لإعادة تعريف حدود السلطة الرئاسية. فمن خلال توسيع استخدام سلطات الطوارئ، وتهميش دور الكونغرس في الإنفاق والرقابة، وإضعاف استقلال الوكالات، سعى ترامب إلى تركيز غير مسبوق للسلطة في البيت الأبيض.

ومع اقترابه من نهاية عامه الأول، يظل السؤال مفتوحًا في واشنطن: أي من هذه التحولات سيغدو واقعًا دائمًا، وأيها قد يتراجع مع تغيّر موازين القوى السياسية، وهل يمكن للنظام الأمريكي أن يعود يومًا إلى ما كان عليه قبل هذه المرحلة؟

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى