«القوة» الأمريكية.. إرث في «مهب الريح»

منذ أن سلّم جورج واشنطن سيفه للسياسة، بدأت رحلة طويلة نسجت فيها الولايات المتحدة شبكات القوة والنفوذ بخيوط من الخبرة والكفاءة.
فعلى مدى قرنين، تراكبت الأجيال العسكرية والدبلوماسية والأكاديمية في مؤسسات صاغت الهيبة الأمريكية، وجعلت من مراكز الأبحاث والخبراء عصبًا لصنع القرار لا ديكورًا على هامشه.
لكن مع قدوم دونالد ترامب، بدا أن عجلة التاريخ تدور عكس ما شُيّد بدقة، فتحولت غرف العمليات إلى ساحة ولاءات، وغابت العقول التي كانت توازن بين الردع والدبلوماسية.
هذا ما أشار إليه المنظّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه المرجعي “في الحرب” (1832)، والذي أبرز أهمية الخبرة والكفاءة في إدارة شؤون الدفاع، معتبرًا أن النجاح في المعارك لا يعتمد على الشجاعة فحسب، بل على المعرفة التقنية والاستراتيجية والقدرة على التعلم، بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي، طالعته العين الإخبارية.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ تأسيسها على خبرات متراكمة لبناء مؤسسات أمنية وعسكرية فاعلة. بدءًا من اختيار جورج واشنطن قائدًا للجيش الثوري بفضل خبرته العسكرية، مرورًا بإنشاء أكاديمية ويست بوينت عام 1802 لتخريج قادة أكفاء، ووصولًا إلى تأسيس معهد الدراسات الحربية البحرية عام 1884، الذي حذّر من مخاطر تقاعس البحّارة عن التعلّم.
هذه المؤسسات وضعت أسسًا أكاديمية وعملية جعلت الجيش الأمريكي قوةً عالمية.
من الحرب العالمية إلى الهيمنة: مؤسسات ما بعد 1945
وبعد الحرب العالمية الثانية، تحوّلت الولايات المتحدة إلى قطبٍ عالمي، مدعومةً بمؤسسات جديدة مثل وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).
وشكّل قانون الأمن القومي عام 1947 نقلةً نوعيةً بإنشاء مجلس الأمن القومي (NSC)، الذي جمع بين الخبرات العسكرية والدبلوماسية والتقنية.
وتولى روبرت كتلر منصب أول مستشار للأمن القومي عام 1952، وكان مهمّته تتلخص في تقديم تحليلات موضوعية للرئيس، مما مكّن من صنع قرارات مدروسة في ظل الحرب الباردة.
عصر الخبراء: بين الإنجازات والأخطاء
وعلى مدى عقود، قاد خبراء مثل هنري كيسنغر وزبغنيو بريجنسكي سياسة خارجية عززت الاستقرار الدولي، رغم انتقادات لحروب مثل فيتنام والعراق.
وساهم هؤلاء في إدارة نظام دولي متوازن، ومنعوا اندلاع حرب نووية، ودعموا التحالفات الدولية. وكانت قراراتهم تعتمد على تحليلات استخباراتية ومشاورات مع جامعات ومراكز أبحاث مرموقة، مثل مؤسسة راند.
ترامب ونهاية عصر الخبرة
بيد أنه مع تولي دونالد ترامب الرئاسة، شهدت مؤسسات الأمن القومي تحولًا جذريًا، حيث عُينت شخصيات موالية له في مناصب حساسة دون خبرة كافية، مثل مايك والتز (مستشار الأمن القومي) وماركو روبيو (وزير الخارجية)، مما أدى إلى سلسلة إخفاقات، منها تسريب خطط عسكرية عبر تطبيق سينغنال، وإقالة خبراء متمرسين مثل تيموثي هوه من وكالة الأمن القومي، بحسب التقرير.
وتحوّلت السياسة الخارجية الأمريكية إلى فوضى، بسحب الدعم عن أوكرانيا، وفرض تعريفات جمركية عشوائية، وتصريحات متضاربة حول الصين وكوريا الشمالية. وتسبب غياب الخبراء في جعل القرارات تُتخذ بناءً على الولاء السياسي، لا على تحاليل واقعية، وفقا للمنظّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز.
ويُحذّر الخبراء من أن استمرار هذا النهج يعرّض الأمن القومي للخطر، خاصة مع تزايد التهديدات السيبرانية.
aXA6IDUuMTgyLjIwOS4xMTUg جزيرة ام اند امز