رأسمالية بلا عدالة.. مأزق العمال في عهد ترامب

قال محللون إنه لطالما بُنيت جاذبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشعبوية على انتقاده لسياسات النيوليبرالية الاقتصادية. لكن، وفقا لتقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، فإن التطورات أثبتت أن تلك السياسة كانت استعراضاً أكثر منها انحيازاً للناس.
خلال إدارتيه، تحدى ترامب معتقدات راسخة لدى الحزبين حول فوائد الأسواق الحرة والعولمة. وقد شكك في جدوى خفض الحواجز التجارية وتعميق التكامل الاقتصادي العالمي، واتخذ مواقف صارمة بشأن اختلال الميزان التجاري وإدارة أسعار صرف العملات.
ومن السهل فهم سبب تفاعل كثير من الأمريكيين مع هذه المواقف. فقد خلفت العولمة وراءها واقعًا قاسيًا يتمثل في تراجع الصناعات، وفقدان الوظائف، وتراجع الأجور. فعلى مدار عقود، وُعِد الناس بأن التجارة الحرة ستعود بالنفع على الجميع، لكن الواقع أظهر أن المكاسب كانت لصالح القلة، بينما تحملت الطبقة العاملة التكاليف. ومع ذلك، فإن رفض ترامب لمبادئ السوق الحرة لا ينبغي أن يُفهم على أنه التزام بالعدالة الاقتصادية، بل تكشف سياساته عن رغبة في السيطرة لا في الإصلاح.
وكانت عيوب العولمة واضحة منذ البداية، فالنظام التجاري المتعدد الأطراف، الذي أُنشئ خلال الحرب الباردة وتوسع بعدها، ركّز على إزالة الحواجز التجارية، بينما تم التعامل مع قضايا مثل عدم المساواة وحقوق العمال وحماية البيئة على أنها مسائل محلية أو تُعالج ضمنيًا في اتفاقيات التجارة الحرة. ولكن هذا التفاؤل بقدرة الحكومات على التخفيف من آثار العولمة من خلال سياساتها الداخلية كان ساذجًا. فقد قيدت قواعد التجارة قدرة الدول على مقاومة تراجع التصنيع وخروج الوظائف، كما لم توفر أدوات كافية للتعامل مع تقاعس الشركاء التجاريين عن تنفيذ معايير العمل والبيئة.
تأثير متفاقم
وهذا القصور أدى إلى انتقال التصنيع من الدول المتقدمة إلى الأسواق الناشئة، مما فاقم من تأثير الأتمتة على العمال الصناعيين. وفي دول مثل الولايات المتحدة، التي تفتقر إلى نظام رعاية اجتماعية قوي، أدت هذه التحولات إلى انخفاض الأجور وتزايد انعدام الأمان الاقتصادي.
ورغم أن خطاب ترامب الشعبوي وميله إلى فرض الرسوم الجمركية يعكسان تفاعلًا مع استياء حقيقي من العولمة، فإن سياساته لا تعبر عن اهتمام فعلي بالطبقة العاملة. فالتجارة الحرة ليست السبب الوحيد في زيادة التفاوت الاقتصادي؛ بل ساهمت أيضًا سياسات تحرير الأسواق المالية، وتعديلات ضريبية مجحفة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وتقليص مزايا المعاشات، في تأزيم الوضع.
وبدلًا من معالجة هذه المشكلات، عمل ترامب على تعميقها من خلال تقليص دور الدولة، وخصخصة أو إلغاء وظائفها الأساسية، ودفع تخفيضات ضريبية لصالح الأثرياء، ومهاجمة حقوق العمال.
وفي جوهره، لا يسعى ترامب إلى خدمة الأمريكيين العاديين، بل إلى تعزيز سلطته الشخصية. وقد ظهر ذلك في تعامله مع الرسوم الجمركية: يعلن زيادتها بشكل مفاجئ، ثم يعلقها، ويزعم لاحقًا أن تعافي الأسواق جزئيًا يعود لقراراته “التاريخية” -في استعراض واضح للقوة، لا للإصلاح.
وكما قال ريان زينكي، وزير الداخلية السابق في إدارة ترامب: “الرسوم الجمركية أداة يفضلها الرئيس لأنها تمنحه سلطة شخصية”.
وهذا ليس عودة إلى الرأسمالية المنظمة التي أسهمت في نمو الطبقة الوسطى والابتكار الصناعي خلال القرن العشرين، بل تراجع إلى نموذج قديم من الحكم، حيث يستغل الحاكم سلطاته لمنح الامتيازات لمقربيه. إنها سياسة الغنائم في ثوب اقتصادي جديد.
وترامب لا يقدم بديلاً حقيقيًا لما بعد النيوليبرالية، بل يجمع بين أسوأ سمات هذا النظام القديم وأسوأ ممارسات الحكم الفردي. ولتفادي العودة إلى هذا الشكل من الرأسمالية المفترسة، علينا ألا ننخدع بأسلوب ترامب، كما لا ينبغي العودة إلى تنفيذ اتباع أعمى للسوق.
وقال تقرير “فورين بوليسي” إن ما تحتاجه أمريكا هو نموذج اقتصادي جديد يضع الناس في المركز ويخدم الصالح العام، ويعتمد على مستقبل مستدام بدلًا من إعادة إنتاج ماضٍ ذهبي بُني على النهب. وفشلت النيوليبرالية في خدمة العمال الأمريكيين، لكن ترامب لا يقدم البديل، بل يعيد إنتاج النظام -الفاشل- تحت مسمى جديد.
aXA6IDUuMTgyLjIwOS4xMTUg جزيرة ام اند امز