تبعات حرب أوكرانيا.. وحدة استخبارات أوروبية جديدة بقيادة فون دير لاين

بدأت المفوضية الأوروبية برئاسة أورسولا فون دير لاين إنشاء وحدة استخبارات جديدة داخل كيان الاتحاد الأوروبي.
وتهدف هذه الوحدة الجديدة إلى تعزيز التنسيق بين أجهزة التجسس الوطنية للدول الأعضاء وتحسين الاستفادة من المعلومات الأمنية في مواجهة التحديات المتزايدة على الساحة الدولية.
ووفقًا لمصادر مطّلعة تحدّثت لصحيفة “فايننشال تايمز”، ستعمل الوحدة ضمن الأمانة العامة للمفوضية الأوروبية، وستضم موظفين منتدَبين من أجهزة استخبارات مختلفة داخل الاتحاد، لتجميع وتحليل المعلومات الاستخباراتية بما يخدم المصالح الأمنية المشتركة للدول الأعضاء.
تحوّل أوروبي بعد حرب أوكرانيا
تأتي هذه الخطوة في سياق أمني وجيوسياسي مضطرب، أبرز ملامحه العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا، الذي شكّل نقطة تحوّل في التفكير الاستراتيجي الأوروبي.
كما ساهمت تحذيرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تقليص الدعم الأمني والعسكري الأمريكي للقارة في دفع بروكسل إلى إعادة النظر في اعتمادها التاريخي على واشنطن وبدء أكبر عملية لإعادة التسلّح منذ نهاية الحرب الباردة.
وقال أحد المسؤولين المشاركين في إعداد المشروع إن «أجهزة الاستخبارات الوطنية في الاتحاد الأوروبي تمتلك كمًا هائلًا من المعلومات، وكذلك المفوضية، لكنّ هناك حاجة إلى آلية أكثر فعالية لتجميع هذه البيانات وتحويلها إلى أدوات عملية. في عالم الاستخبارات، لا يمكنك الحصول على شيء دون أن تقدّم شيئًا في المقابل».
خلافات داخلية ومخاوف من الازدواجية
ورغم أهمية المشروع من منظور الأمن الأوروبي، لكنه يواجه معارضة من داخل المؤسسات الأوروبية نفسها. فقد أعرب مسؤولون في الهيئة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، المشرفة على مركز الاستخبارات والموقف المعروف باسم “إنتسن”، عن قلقهم من أن تُكرر الوحدة الجديدة مهام المركز أو تُقوّض دوره القائم.
وبحسب المصادر، لم تُقدَّم الخطة رسميًا إلى الدول الأعضاء السبع والعشرين بعد، لكنّ المفوضية تخطط لاستقدام مسؤولين على سبيل الانتداب من الأجهزة الوطنية، في محاولة لتقوية الصلة بين الهياكل القومية والاتحاد في المجال الأمني.
حساسية تبادل المعلومات
يُعد تبادل المعلومات الاستخباراتية من أكثر الملفات حساسية داخل الاتحاد الأوروبي، إذ تتردّد بعض الدول الكبرى مثل فرنسا في مشاركة بياناتها الحساسة مع شركائها، في حين أدّى صعود حكومات موالية لروسيا في دول مثل المجر إلى تعقيد التعاون الأمني المشترك.
ويُرجّح أن تواجه المفوضية مقاومة من بعض العواصم الأوروبية الرافضة لتوسيع سلطات بروكسل في المجال الاستخباراتي، رغم تزايد الانتقادات الموجّهة لأداء مركز “إنتسن”، الذي يعتبره بعض المسؤولين غير قادر على مواكبة طبيعة الحروب الهجينة الروسية التي تجمع بين العمليات العسكرية والهجمات السيبرانية والدعاية الإعلامية.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع باعتبارها محاولة لبناء قدرات استخباراتية أوروبية مستقلة، بعد سنوات من الاعتماد المفرط على الدعم الأمريكي في مجالات الأمن والمراقبة.
وقد زادت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة – خصوصًا تعليقه المؤقت للدعم الاستخباراتي لأوكرانيا في وقت سابق من هذا العام – من شعور الأوروبيين بالحاجة إلى بنية أمنية أكثر استقلالية.
رؤية فون دير لاين: الأمن أولًا
يمثّل إنشاء الوحدة الجديدة جزءًا من رؤية فون دير لاين لإعادة صياغة السياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي. وتشمل هذه الرؤية أيضًا تأسيس “كلية أمنية” لتدريب المفوضين الأوروبيين وتزويدهم بإحاطات منتظمة حول القضايا الأمنية والاستخباراتية، إضافة إلى تمويل مشتريات الأسلحة لأوكرانيا وإطلاق مشروع الأقمار الصناعية إيريس2 لتعزيز قدرات المراقبة الأوروبية.
جذور التعاون الاستخباراتي الأوروبي
يعود التعاون الاستخباراتي المنظّم بين دول الاتحاد إلى ما بعد هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001، عندما بدأت وكالات التجسس في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة تبادل التقييمات الأمنية السرّية بشكل منهجي.
ومع مرور الوقت، توسّع هذا الإطار ليشمل دولًا أخرى، قبل أن يُدمج رسميًا في عام 2011 ضمن الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي.
ومع إنشاء الوحدة الجديدة، يبدو أن بروكسل تسعى إلى نقل التعاون الأمني الأوروبي من المستوى التنسيقي إلى المستوى المؤسسي الكامل، في خطوة يرى فيها مراقبون بداية تشكّل ركيزة استخباراتية أوروبية مستقلة يمكن أن تغيّر مستقبل الأمن في القارة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




